دولة جوجل تحتل العالم .. وإبداع بطعم القلق !!
.لا خلاف على أن شركة
جوجل ( صاحبة أكبر محرك بحث )على الإنترنت تمثل تجربة متميزة ، ويرى البعض تميزها في ظروف النشأة التي
بدأت ببضعة آلاف من الدولارات منحها أحد الأثرياء لإثنين من الباحثين كان
لديهما فكرة
محرك بحث ، والبعض الآخر يتحدث عن تميز في نموذج العمل القائم على تحقيق
عائدات وفيرة للغاية اعتماداً على فكرة قد تبدو مناقضة وهى الإتاحة المطلقة للمنتجات والخدمات مجاناً ، وفريق ثالث يركز على التميز والجسارة في ارتياد مجالات وآفاق غير معهودة .
ومع كل ما سبق يمكنني أن أضيف أن
لجوجلجانباً آخر من التميز، وهو أنها دائما ما تقدم إبداعاً بطعم ممزوج بقلق من
نوع خاص لا يتذوق الجميع طعمه بنفس الدرجة ، لأنه إبداع يحمل في طياته
بوصلة ذاتية توجهه صوب اتجاه ما فتجعل فريقاً من الناس يتحسس ما فيه من
قلق ويعيشه وفريقا آخر لا يشعر بهذا القلق فيأنس إليه ويستحسنه ويستفيد
منه .
انظر مثلا إلى
محرك بحث جوجل .. فقد ظهر كقطعة هائلة من الإبداع على صعيد السرعة
والبساطة والسهولة والشمول في البحث ، ولذلك سجل انتشاراً صاروخياً بين
المستخدمين لكنه شكل عامل قلق شديد لمحركات البحث القائمة في ذلك الوقت
والشركات التي تمتلكها وتدعمها ، وبمرور الوقت كان القلق قد تحول إلى عامل تآكل وتدهور لدى البعض ومحجم للنمو لدى البعض الآخر .
شاهدنا جرعة قلق أخرى ربما بحجم أكبر حينما أبدعت جوجل خدمة البريد المجاني
( جى ميل ) والتي قدمت من خلالها مستوى جديداً وغير معهود من السعة التخزينية المتاحة مجاناً لمستخدمي البريد الإلكتروني ، ونقلت هذه السعات من عصر
( الميجا إلى عصر الجيجا ) في نقلة واحدة مفاجئة أسعدت مستخدميها وأذاقت منافسيها مجدداً طعم القلق ولم تترك لهم خياراً سوى أن ينتقلوا إلى عصر -
الجيجا - والدخول معها في ماراثون ربما كان بعضهم غير مهيأ له .
احتوى إبداع جوجل على جرعات أخرى من القلق كانت من نصيب الدول والحكومات
التي لديها سجلات غير مريحة في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير
والديمقراطية والإنفتاح السياسي ، لأن إبداع جوجل جاء مبنياً على فكرة
انفتاح محرك البحث والخدمات الملحقة به على العالم أجمع بلا قيود أو
حساسيات سياسية ، ومن هنا وجدنا حكومات تنزعج من جوجل وخدماتها نتيجة ما
تتيحه لمعارضيها السياسيين
والمخالفين لها في الرأي وضحايا عسف وتسلط أجهزتها الأمنية من فرص للوصول
للمعلومات أو توصيل المعلومات للملايين حول العالم عبر محرك البحث الأساسي
أو عبر الخدمات الأخرى ، واشتدت الجرعة حدة حينما استحوذت جوجل على
يوتيوب بما فيه من إمكانات واسعة لتبادل المعلومات ونشرها صوتاً وصورة على الملأ ، ومن يكتب مثلا كلمة -
مصر - على الصفحة الرئيسية ليوتيوب ثم يستعرض ملف حقوق الإنسان ، سيعلم إلى أي حد يشكل هذا الإبداع
جرعة قلق موجعة للحكومة ، وهو أمر ليس مقصورا على حكومة مصر فقط ولكنه كأس
مقلقة تتجرعها عشرات الحكومات الأخرى بالمنطقة العربية والعالم .