واشنطن: محمد علي صالح
نشرت جريدة «نيويورك وورلد» أول لغز كلمات
متقاطعة قبل 100 سنة، وضعه الصحافي آرثر واين.
وأصدرت دار نشر «سايمون آند
شوستر» في أول كتاب كلمات متقاطعة (فيه أكثر من 200 لغز) بعد ذلك بعشر
سنوات
.وكان ذلك أول كتاب تصدره، وبعد أن حققت من كتاب الترفيه هذا ربحا هائلا،
بدأت تصدر كتبا جادة، حتى أصبحت واحدة من أكبر دور نشر الكتب في العالم
حالياً
.
في ذلك الوقت، قللت جريدة «نيويورك تايمز» الجادة من أهمية الكلمات
المتقاطعة،
واعتبرتها غير ثقافية، ولترفيه غير المتعلمين، ورفضت نشرها،
ورفضت الاشتراك في خدمات شركة محررين كانت توزعها.
ولكن بعد 40 عاماً، غيرت موقفها فجاة، وعينت محررين لوضع شبكة كلمات
متقاطعة خاصة بها.
وكتبت افتتاحية قالت فيها «أصبحت الكلمات المتقاطعة هي
هم كل الناس،
رجالا ونساء، كبارا وصغارا، في كل مكان وكل زمان، حتى في
المطاعم وفي القطارات
».
وفي وقت لاحق دخلت الكلمات المتقاطعة جامعة هارفارد العريقة،
وبدأ يهتم
بها أساتذة هناك، قالوا إنها تُسليهم وسط الحياة الأكاديمية الرتيبة.واهتم بها روبرت شيروود، خريج هارفارد الذي أصبح في ما بعد مسئولا عن صفحة
الترفيه
في جريدة «هيرالد تريبيون»، قبل أن تنتقل من نيويورك إلى باريس.
وكانت الجريدة أعلنت انها تريد محرر ترفيه «على ان يكون مثقفا تخرج من
جامعة هارفارد،
ويفضل الذي تخرج بامتياز»، وكان طلاب جامعات هارفارد، وييل
وبرنستون وويسلي،
يجرون منافسات لحل الكلمات المتقاطعة، واشتهر وسطهم جون
توماس، رئيس تحرير مجلة «ييل» الأدبية في ذلك الوقت،
واثبتوا كلهم ان حب
الكلمات المتقاطعة لا يقتصر على الأقل تعليما
.
في السنة الماضية، اعترف هال بارون، استاذ تاريخ في كلية هارفي في ولاية
مساتشوستس،
انه يحب حل الكلمات المتقاطعة بقوله «هي تساعدني على ترويض
عقلي، وتحديد معالم شخصيتي، واذا احسست انها تافهة، افتخر بأني اقدر على
الابداع في التافه وفي الجاد».
وبارون تخصص في تأليف كتب التاريخ، وآخرها
«تاريخ الهجرة من الريف إلى المدن في هولندا
في القرن التاسع عشر»، لكنه
يفكر في إصدار « تاريخ الكلمات المتقاطعة».
لكن، حتى اذا توفر الوقت والصبر، تظل المعرفة مهمة للإجابة على أسئلة
الكلمات المتقاطعة، وخاصة المعرفة العامة. وقال المؤرخ بارون ان الاجابات
الصحيحة
«لا تشترط التخصص في فرع معين، مثل انشطار الذرة، او تفاصيل سقوط
الامبراطورية الرومانية المقدسة».وتظل معرفة الكلمات والمرادفات والمطابقات مهمة. ويعتقد ان هذا من اسباب
اهتمام المرأة بالكلمات المتقاطعة،
وربما تفوقها على الرجل في حلها، لأن
الابحاث العلمية اثبتت
ان المرأة افضل من الرجل في اساليب وفنون الاتصال
والتعبير.
ويذكر أن هيلين كيلر، العبقرية العمياء الصماء البكماء، كانت تشتري كلمات
متقاطعة
وضعت بطريقة «بريل»، وكانت تشجع اللواتي لديهن نفس اعاقتها
ليشترنها.
هذا فيما بدأت قبل 50 سنة جريدة «شيكاغو ديفندرز»، التي كان يصدرها السود،
نشر الكلمات المتقاطعة، وتخصصت في الكلمات الحزينة التي كانت تصور حال
السود في ذلك الوقت.
وتفرعت منها «الأغاني المتقاطعة» الحزينة أيضا.
وكدليل على ان الكلمات المتقاطعة لا تعرف الاختلافات العرقية والدينية
والسياسية وغيرها،
عقد آخر مؤتمر سنوي لها في اتلانتا، في ولاية جورجيا،
التي تعتبر عاصمة لتقدم وازدهار السود. ويجتمع في المؤتمر السنوي
المتخصصون والهواة والادباء والمهندسون،
لأن وضع الكلمات المتقاطعة وحلها
اصبح خليطا من ادب وعلوم ورياضيات وتكنولوجيا،
وبعد ان اكتسحت الانترنت،
وظهرت قواميس ومراجع خاصة لحل الاسئلة.
وفي آخر مؤتمر سنوي لها، قدم مؤرخ بحثا عن تاريخ الترفيه، قال فيه ان نوعا
بدائيا
من الكلمات المتقاطعة وجد محفورا على جدران مقبرة فرعونية، وان
الكهنة خلال العصور المظلمة في أوروبا كانوا يتسلون بأنواع مختصرة منها.
واذا عرف الفراعنة تسلية الكلمات المتقاطعة، عرف البابليون تسلية الشطرنج،
وعرف السومريون تسلية الطاولة.
لكن هذه الحضارات القديمة كانت تتبادل
اختراعات الترفيه مثلما كانت تتبادل الاختراعات الجادة،
لأن الاغريق
والرومان عرفوا الكلمات المتقاطعة أيضا على ما يبدو.
[/size]