الحوثيين واللعبة الكبري
بقلم الصحفية : مريم أم الخير دلومي* -
تشهد منطقة صعدة الواقعة بأقصى شمال اليمن صراعا عسكريا بين القوات الحكومية وبين الحوثيين .
هذا الصراع الذي أسفر عن خسائر بشرية إذ أعلنت الحكومة عن مقتل العشرات من
الضباط وصف الضباط والجنود إلى جانب العديد من المتمردين خلال أسابيع
قليلة .
وقد بدأ سيناريو الحرب بين الطرفين في صيف 2004 إذ رددت مجاميع من الشباب
المؤمن والتابعة للحوثيين شعارات معادية للولاية المتحدة الأمريكية
وإسرائيل قبل أشهر من الحرب على العراق هذه الشعارات التي كانت الشرارة
الأولى للأزمة الدائرة بين السلطة والحوثيين .
في سنة 2005 أعلن الرئيس اليمني علي عبد الله الصالح عفوا عاما وشاملا عن
الحوثيين مقابل إلقاء أسلحتهم والنزول من الجبال كما جرى الإفراج على مئات
المعتقلين ودفع تعويضات للمتضررين الذين دمرت بيوتهم بسبب الحرب فكان
الاعتقاد السائد لدى الناس أن الأزمة قد انتهت وطويت دون رجعة إلا أن
الصراع عاد من جديد وأكثر فظاعة من ذي قبل إذ أسفر عن خسائر قدرت بأكثر من
600 مليون دولار حسب تصريح قائد عسكري يمني .وقد اندلعت المواجهات الأخيرة
بعد قيام الحوثيين بتهجير حوالي خمسين يهوديا يمنيا من منطقة آل سالم من
بيوتهم وهذا بعد اتهامهم بنشر الفساد في المنطقة وخدمة الحركة الصهيونية
الأمر الذي زاد في تأزم الوضع وساعد في إشعال الحرب من جديد , من جهته قام
الرئيس اليمني بنقل العائلات اليهودية إلى العاصمة صنعاء وتوفير مساكن
لائقة لهم , هذه الحادثة التي كانت الشرارة التي أشعلت لهيب الحرب بين
الحكومة اليمنية والحوثيين من جديد .
وأمام هذا الوضع تتبادر إلى الأذهان أسئلة عدة أهمها ..
من هم الحوثيون ..وكيف تم تأسيس تنظيمهم .. ولماذا في هذا الوقت بالذات .؟ ومن هي الجهة المسئولة عن تدعيم هذا التنظيم .؟؟
قبل ان نجيب عن هذه الأسئلة لابد من الرجوع إلى الوراء قليلا حتى نتمكن من معرفة جذور الأزمة .
إن أول ظهور لهذا التيار كان في فترة الثمانينات من القرن الماضي إذا قام
الشيخ صلاح أحمد فليته سنة 1986 وبدعم إيراني بإنشاء اتحاد الشباب المؤمن
وقد كان أعضاء هذا التيار يدرسون الثورة الإيرانية على يد محمد بدر الدين
الحوثي الذي يعتبر الزعيم المؤسس للحركة الحوثية والأب الروحي لها ... وفي
ظل التعددية الحزبية والسياسية والحرية الإعلامية والذي تزامن مع قيام
الجمهورية اليمنية سنة 1990 ظهرت عدة أحزاب سياسية ذات توجهات مختلفة من
بينها حزب الحق الذي كان أحد أعضائه حسين بدر الدين الحوثي هذا الحزب الذي
أسسه مجموعة من الشخصيات الزيدية إلا أن حسين بدر الدين الحوثي لم يستمر
طويلا في الحزب واستقال منه ويعود السبب في ذلك إلى حصول حزبه في
الانتخابات البرلمانية على نسبة ضئيلة جدا من الأصوات ,بعدها قام بتأسيس
منتدى الشباب المؤمن سنة 1997 هذا المنتدى الذي كان يظم عددا من مثقفي
المذهب الزيدي إلا أن هؤلاء لم يكونوا على وفاق مع حسين الحوثي بسبب أفكار
هذا الأخير التي كانت منحازة إلى مذهب الإثنى عشرية الأمر الذي أدى إلى
تصدع في التيار الواحد فتحول المنتدى إلى اسم آخر هو تنظيم الشباب المؤمن
تحت زعامة حسين الحوثي بعدما انشق عليه المخالفين لأفكاره هذا التنظيم
الذي كان مدعوما من طرف إيران خاصة مع وجود علاقة قوية تربط الثورة
الإيرانية مع العائلة الحوثية في اليمن ومن بين الأفكار التي كان يعتنقها
حسين الحوثي وإتباعه ما يلي :
-على الأمة أن تكتفي بإمام يعلمها كل ما تحتاج إليه , فهي لا تحتاج إلى دراسة الكتاب والسنة
-يكفي أن يكون للأمة أمام أو زعيم أو قائد أو قدوة (وقد كان يطلق على
الحوثي القدوة ) إذ كان يركز في أدبياته على مسالة القدوة ووجوب إتباعها
والأخذ برأييها.
-الحملة الشديدة على الصحابة الإبرار لدرجة أن الحوثي حمل بعضهم فشل الأمة
الإسلامية لذا السنة حسب الحوثيين لا يعتمد عليها لأنها جاءت من طرف صحابة
رسول الله صلى الله عليه سلم . من خلال هذه المبادئ والأفكار الأثنى عشرية
التي يعتنقها تنظيم الحوثي وأتباعه وما يجري في اليمن من صراع بين هذا
التنظيم والحكومة اليمنية أصبح من الواضح أن وراء هذه الأحداث جهات خارجية
تريد تمرير مشروعها ليس في اليمن فحسب بل في المنطقة كلها .
لقد اندلعت أولى المواجهات في صيف 2004 وأسفر هذا الصراع على مقتل قائدها
حسين الحوثي في 8/09/2004 بعدها تولى قيادة التنظيم الأب بدر الدين الحوثي
ليعود الصراع من جديد بين الطرفين وفي هذه الأثناء لم يعد بوسع الحكومة
اليمنية أن تبق مكتوفة الأيدي مع هذا التصعيد والتحدي الذي أراد فرضه
أتباع الحوثي وكان لزاما أن توقف الأمر بأي طريقة قبل أن تمتد رقعته خاصة
وأن ظل إيران مخيم بأفكاره ودعمها المادي والمعنوي. فقد بدت ملامح
السيناريو الإيراني تظهر للعلن مع بروز أفكار هذا التيار واشتداد المعارك
بين الحكومة اليمنية وأتباع الحوثي
فالمتتبع للأحداث لا يجد بالغ عناء في اكتشاف التواطؤ الإيراني ومحاولة
زعزعة المنطقة ككل وليس اليمن فقط فاليمن والعراق جزء من مخطط فارسي كبير
.خاصة بعد التضامن الذي أظهرته إيران اتجاه الحوثي وإتباعه , إذ صدر بيان
من مجموعة من علماء الدين في إيران يحتجون فيه على ما أسموه بالمجازر التي
ترتكب ضد الشيعة في اليمن كما طالب متظاهرون كانوا مجتمعين أمام السفارة
اليمنية بطرد السفير اليمني من طهران وتغير اسم الشارع الذي تقع فيه سفارة
اليمن إلى اسم الحوثي
والصراع الذي يحدث في اليمن اليوم ما هو في الحقيقة إلا مخطط شيعي إيراني
وفي هذا الصدد اقر المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بزاعمة عبد
العزيز الحكيم عن تفاصيل المد الشيعي في الدول العربية والإسلامية من خلال
إصدار بيان سري يحتوي على توصيات المؤتمر التأسيسي لشيعة العالم في مدينة
قم الإيرانية بحيث يوصي هذا المؤتمر بتأسيس منطقة عالمية تسمى منطقة
المؤتمر الشيعي العالمي يكون مقرها إيران وفروعها في كافة أنحاء العالم
كما يدعو المؤتمر لضرورة تعميم التجربة الشيعية التي كانت ناجحة في العراق
إلى باقي الدول العربية والإسلامية الأخرى منها السعودية ’ الأردن ’ اليمن
’ مصر’ الكويت و البحرين وهذا من خلال بناء قوات عسكرية غير نظامية لكافة
الأحزاب والمنظمات الشيعية بالعالم عن طريق إدخال مجموعة من الأفراد داخل
المؤسسات الحساسة العسكرية والأجهزة الأمنية ودعمها ماليا عن طريق تخصيص
ميزانية خاصة بها . وما يحدث من صراع بين الحوثيين والحكومة اليمنية خير
دليل على ذلك إذ تصاعدت الأحداث في منطقة صعدة وازداد الاقتتال بين
الطرفين خلال هذه الفترة حيث أقدم عناصر من الحوثيين على اختطاف أحد
الأشخاص وإعدامه شنقا بتاريخ 15 فبراير 2007 حسب مصدر محلي كما قام هؤلاء
بعمليات اغتيال حيث استهدفت أمين عام المجلس المحلي السابق طه عبد الله
الصعدي وتم اغتياله رميا بالرصاص أمام أفراد أسرته بمدينة ضحيان بصعده .
وهذا التحدي للسلطة اليمنية يبرز مدى ثقة الحوثيين بقدراتهم ’ وأيضا
اعتمادهم على الدعم الخارجي والثقة العمياء في إيران فمستحيل أن تقدم
مجموعات محدودة العدد والعدة بمغامرة غير محسوبة العواقب لم يكن ثمة دعم
وإسناد خارجي لوجستيكي وبشري , وهذا دليل صارخ على دخول إيران اللعبة
اليمنية وحشر أنفها في المنطقة بكل قواها .
إن التقسيمات العرقية داخل المجتمع اليمني إلى المجموعات الزيدية المبعثرة
مهدت الطريق لإيران لاختراقها اذ أدخلت عليها مبادئ وأفكار الأثني عشرية
الذي برز من خلالها تنظيم الشباب المؤمن بزعامة حسين الحوثي وبالتالي
استغلت إيران هذا التنظيم وأعادت صياغته من خلال أفكارها وما يناسب توجهها
التوسعي الصفوي ومبادئها الأمر الذي يفسر الزيارات المكوكية التي قام بها
أفراد من تنظيم الحوثيين إلى طهران عبر مراحل زمنية مختلفة بهدف التدريب
والتنظيم , ناهيك عن الزيارات السرية لخبراء عسكريين إيرانيين بطرق سرية
ليشرفوا بأنفسهم على عمليات التدريب .
فإيران معروفة بتصنيع وتصدير المشاكل الطائفية ليسهل عليها التغلغل داخل
البؤر المتوترة وتمرير مشروعها التوسعي , هذا المشروع المعلن رسميا الذي
تبنته كافة الحكومات السياسية الإيرانية والذي يهدف إلى نشر التشيع الصفوي
الذي أصبح يرصد له ميزانيات ماليه ضخمة لإنجاحه فهي تريد السيطرة على
العالمين العربي والإسلامي باسم الإسلام ويمكننا القول أنه لا فرق بين
نظام الشاه ونظام الخميني طالما أن الهدف واحد ومشترك والمتمثل في سياسة
التوسع والهيمنة على المنطقة وإعادة المجد الفارسي وبعث الإمبراطورية
الفارسية الآفلة والخلاف يكمن في أن التوسع الخميني هو باسم الإسلام
الشيعي وتوسع الشاه باسم الإمبراطورية الفارسية التي تهاوت تحت رياح
الإسلام المجيد وإلا كيف نفسر عدم تراجع إيران في عهد الخميني من احتلال
الجزر الثلاث الإماراتية (طنب الصغر والكبرى وجزر أبو موسى ) التي احتلت
في عهد نظام الشاه وليس هذا فحسب وإنما أيضا استمرار إيران في نفس سياسة
الشاه في رفض اعترافها بالقومية العربية ورفض القوميات الأخرى مثل الكردية
وقوميات أخرى في المنطقة مع إصرارها على فرض القومية الفارسية عن طريق
اللغة .
إن كل الأزمات والصراعات التي يتخبط فيها الوطن العربي والإسلامي لابد أن
يكون للولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها إسرائيل دورا بارزا فيها وذلك
تحت مظلة الديمقراطية و حقوق الإنسان وما يسمى بالشرق الأوسط الكبير
وغيرها من الشعارات البراقة والتي تهدف في الحقيقة إلى زعزعة الأنظمة
العربية والإسلامية وتهديد بناها التحتية ’ فما حدث في العراق خير دليل
على ذلك إذ قامت أمريكا باحتلال هذا البلد بحجة امتلاكه أسلحة الدمار
الشامل والكل يعلم أن السبب الحقيقي وراء هذا الاحتلال هو الاستحواذ على
ابار النفط والقضاء على نظام صدام ,هذا النظام الذي رحل وأخذ معه إسرارا
تورط أمريكا والدول الغربية وحتى بعض الأنظمة العربية في قضايا عديدة
.ليصبح العراق اليوم يعيش في بحر من الدماء بسبب الحرب الأهلية الدائرة
رحاها بلا رحمة دون أن ننسى الدور الإيراني الذي قدم العراق على طبق من
فضة لأمريكا وإسرائيل وذلك باستغلال الورقة الشيعية في العراق والسيناريو
يتكرر اليوم في اليمن من خلال لعب ورقة الحوثيين كما حدث مع ورقة الشيعة
بالعراق لزعزعة نظام الحكم في اليمن عن طريق تنمية الشعور المذهبي وتصوير
أن ثمة صراع مذهبي جاري في اليمن أو أن ثمة إبادة جارية في حق الحوثيين
مثلما تروج له جهات خارجية إذ أن تقرير الخارجية الأمريكية يذكر أن
السلطات اليمنية تفرض شروطا على الشيعة وذلك لمنعهم من ممارسة شعائرهم
الدينية واضطهادهم .
إذا من خلال مما ذكرنا يتضح لنا جليا أن هناك مخططا تم إعداده بدقة من طرف
إيران وبعض الدول مما يدل على أن القضية لها إبعادا إقليمية وأطرافا
خارجية تغذي هذا الصراع . على رأسها إيران التي تسعى جاهدة إلى إعادة
مجدها الفارسي في العالمين العربي والإسلامي لكن هذه المرة ممثلا في
إمبراطورية شيعية فهي تسير مشروعها بالتحالف مع أمريكا وإسرائيل باستغلال
الورقة الشيعية التي استعملت ولازالت تستعمل دائما كورقة للضغط على
الأنظمة لتمرير مشروعهم
فهل ستنجح إيران في توسعها الفارسي من خلال رسم هلالها الصفوي الشيعي في
العالمين العربي والإسلامي خاصة وان الفرصة مواتية والظروف في صالحها .؟
إذا قضية الحوثين ما هي الا جزء من مخطط كبير يستهدف المنطقة ككل وتفكيكها قطعة قطعة لأجل أحلام أمريكية وأوهام صفوية .
وواهم من يعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية تختلف في أهدافها مع إيران
خاصة وأن أمريكا اليوم باتت في حاجة إلى إيران في المستنقع العراقي وإيران
في حاجة إلى الولايات المتحدة لأجل تسهيل تحركها ليصبح الشيطان الأكبر
اليوم صديقا للشيطان الأصغر .
والسؤال الكبير ماذا سيفعل العرب وقد أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من فكي طهران وواشنطن .؟
1 / من هم الحوثيون :
2/ طبيعة العلاقة بين الحوثيين وإيران :
3 / الأهداف الإيرانية في اليمن :
4 دور الولايات المتحدة الأمريكية في القضية اليمنية :