مقال رائع للكاتب فهد الأحمدي- جريدة
الرياض- اليوم الخميس 4/3/1431هـ
حول العالم
يسرعون ولكن لا يتعجلون
فهد عامر الأحمدي
أخبرني أحد رجال الأعمال بقصة نموذجية قال فيها :
كان لدي سكرتير نشيط حمل عني أعباءً كثيرة. ومع توسع أعمالي
ومهامي، زادت أعماله ومهامه، ومع ذلك لم تتغير كفاءته او سرعته في العمل..
كنت احزن عليه في داخلي وأقول متى ينفجر ويقولها صريحة (أريد مساعدين معي) .
وأخيرا أتى اليوم الذي ابلغني فيه بهذا الطلب ولكن عن طريق احد الاصدقاء
لأنه خجول ولايعرف غير كلمة "حاضر" .. حينها ناديته وسألته : وماذا تقترح
يا أستاذ عادل؟ قال : ننشئ قسما للسكرتارية من خمسة موظفين كل موظف يهتم
بقسم من الشركة . أعجبتني الفكرة فاستحدثنا هذا القسم ولكن هل تعلم ماذا
حصل (؟) انخفضت سرعة العمل ومستوى الإنجاز رغم أنهم أصبحوا ستة وأصبح
"عادل" نفسه مثال التسويف والمماطلة .. كانوا ببساطة يلقون المهام على
بعضهم البعض وتضيع المعاملات فيما بينهم وأصبحت الاتكالية والتهرب الصفة
الغالبة على عملهم..
سألته : وماذا فعلت؟ قال : وماذا افعل!؟ ألغيت القسم بأكمله
وزدت راتب الاستاذ عادل!!
... هذه القصة تثبت كيف ينجح البعض تحت الضغط والاحساس
بالمسؤولية (ويتقاعس) حين يجد سعة من الوقت وتوفر الإمكانات .. ولو رجعت
بذاكرتك للخلف ستتذكر مهامّ كنت تعتقد أنت شخصيا أن انجازها سيستغرق وقتا
طويلا وجهدا عظيما ولكنك (تحت ضغط الوقت والحاجة) أنجزتها خلال فترة قصيرة
وقياسية .. وكم مرة أيضا شعرت بأن الوقت مازال مبكرا للذهاب لموعد ما فشغلت
نفسك بأشياء أخرى وبدأت بالتسويف والمماطلة (والنتيجة) أنك تأخرت كالعادة
.. وفي المقابل كم مرة لم يعمل فيها المنبه فتستيقظ فزعا خشية التأخر عن
الدوام فتُحضر نفسك على عجل وتلبس ثوبك (ع الدَرج) ثم تفاجأ بأنك وصلت في
الوقت المناسب .. في الحالة الأولى (رغم امتلاكك الكثير من الوقت) الا أن
تقاعسك أدخلك في دوامة من التسويف والمماطلة والتصرف بطريقة خاطئة . أما في
الحالة الثانية (فرغم ضيق الوقت) إلا أن الأوليات كانت واضحة في ذهنك
فوصلت بنجاح
... كل هذه الأمثلة مجرد "حالات ذهنية" تشكلها الاعتقادات
المسبقة وتقييمنا الخاص وشعورنا بالمسؤولية ؛ فأنت تتأخر وتتكاسل حين تعتقد
أنك تملك الموارد والوقت الكافي لعمل كل شيء فيضيع منك كل شيء . وفي
المقابل تنجز أعمالك في الوقت المناسب وربما قياسي في حال كنت واعيا لوضعك
الحرج فتقتصر على الأولويات وتتدارك مواطن النقص والضعف بسرعة
وفي الحقيقة سير الناجحين والعظماء تثبت انهم كانوا يعانون
دائما من ضيق الوقت مثل كل الناس هذه الأيام ومع ذلك كانوا ينجزون أعمالا
تفوق الفارغين بمراحل . فضيق الوقت رفع مستواهم وصقل مهاراتهم فأصبحوا
ينفذون المهام بنجاح واقل وقت ممكن . وفي المقابل يرافق الفشل كل من يعتقد
أن لديه الوقت الكافي لعمل كل شيء فيضيع منه العمر ولم ينجز أي شيء
هذا باختصار الفرق بين السرعة والعجلة..
فالناجحون يوظفون خبراتهم وذكاءهم لإنجاز المطلوب في أسرع وقت
ممكن . أما الفاشلون فحين يفاجأون بضيق الوقت يتعجلون ويعملون على اكثر من
جبهة فينتهون للاشىء.. الناجحون يعيدون دائما جدولة أنفسهم وتنظيم أوقاتهم
كلما كلفوا بمهمة جديدة وزادت عليهم الأعباء، أما الفاشلون فيرتبكون
ويتخبطون ولايعرفون من أين يبدأون فيبقون "مكانك سر"..
... هذه الحقيقة أدركها ونستون تشرشل فقال "إن أردت إنجاز
عمل في وقته فأعطه لرجل مشغول" كما ادركها المفكر الانجليزي تشسترفيلد حين
قال " ذوو العقول الحصيفة قد يسرعون ولكنهم لايتعجلون".
باختصار :
من الذكاء تعلم كيفية انجاز أعمالنا (بسرعة) ولكن من الحمق
محاولة إنهائها ...على عجل ...