أيهما أفضل؟!
رغم محبتي لمشاهدة (بعض) مباريات كرة القدم، فإنني لم أحضرها حية على
الهواء مباشرة في الملاعب منذ زمن بعيد، رغبة مني في الهدوء وعدم الإزعاج،
فأكتفي بمشاهدتها في التلفزيون في منزلي وحيدا، أو مع مجموعة من الأصدقاء،
خصوصا أن النقل التلفزيوني قد تطور كثيرا من ناحية نقاء اللون وصفاء
الصوت وتعدد الكاميرات وإعادة الأهداف واللقطات الجميلة (بالسرعة
البطيئة)، وكذلك مناقشة بعض خبراء الكرة في الاستوديو عن المباراة عموما
وعن الفريقين المتباريين واللاعبين.
ومع ذلك لم أسلم من بعض الإزعاجات والتصرفات من بعض الحاضرين، ولا أنسى
أنني كنت أجلس يوما بجانب أحدهم لمشاهدة مباراة، وبالمناسبة فليست بيني
وبين ذلك الشخص معرفة قديمة وراسخة، فلا أعرفه إلا بالاسم، وهو كذلك لا
يعرفني إلا بالاسم، وكانت تلك الجلسة هي المرة الثانية التي تجمعنا، ولاحظت
عليه قبل أن تبدأ المباراة التوتر الشديد، والعرق الغزير المنسكب من خديه
وصدغيه ورقبته، والذي من جراء ذلك استهلك ما لا يقل عن علبة «كلنكس»
كاملة في محاولة تجفيفه، ولكن دون جدوى، مما اضطرني إلى أن أسعفه بعلبة
ثانية شفقة مني عليه، تناولها من يدي دون أن يقول لي حتى: «شكرا».
وبدأت المباراة، والواقع أنني كنت «حياديا»، ولم أكن أميل لأي من الفريقين،
لأنهما لا يعنيان لي شيئا، ولكنني بحكم «الجيرة» مع هذا الرجل الضخم الذي
أخذ يرتجف ويقوم ويقعد ويحرك يديه ويصيح بصوته مع كل ركلة لاعب، ولم يسلم
الحكم من سلاطة لسانه، كل ذلك (الهوس) الذي لمسته وشاهدته وسمعته جعلني
أتعاطف معه، وتمنيت أن يفوز الفريق الذي يشجعه، لأنني خشيت لو أن فريقه قد
انهزم فلا شك أنه سوف «يطب ساكت» - مثلما يقول إخواننا أهل السودان - أو
على الأقل سوف يصاب بالفالج.
ويبدو أن ربي استجاب «لأمنيتي» - ويا ليته لم يستجب - لأنه ما إن أدخل
فريقه الهدف، حتى هب الرجل واقفا كالثور الهائج من شدة الفرحة، وأول ما
فعله لا شعوريا هو أن يلتقط أقرب شيء إليه، ولم يجد أحدا غيري بجواره، وما
وعيت على نفسي إلا وأنا مرتفع بالهواء بين يديه، وأخذ يدور بي في أرجاء
المجلس وأنا متشبث برقبته خشية السقوط، وما صدقت أنه أنزلني، فحمدت ربي
أنها أتت على ذلك، وخوفا من أن تتطور الأمور أكثر ويحصل ما لا تحمد عقباه
سواء بعد النصر أو الهزيمة، قررت أن أطبق المثل القائل: «الهريبة نصف
المراجل»، وهذا هو ما كان، فقد تسللت من مكاني بداعي الذهاب إلى المغسلة،
ولم يردني غير الشارع ثم سيارتي ثم منزلي.
لا شك أن كل إنسان يشجع على طريقته الخاصة، وكل إنسان كذلك يعبر عن فرحته
على طريقته الخاصة، والطريقة الخاصة التي اتبعها الرئيس الصربي «بوريس
تاديتش» بالتعبير عن فرحته، عندما انتهت المباراة الحاسمة بفوز منتخب بلاده
وتأهلها لكأس العالم في جنوب أفريقيا هي أن يستمتع بها على أصوات قرع
الكؤوس المترعة (بالراح) مع وزيرة الرياضة في مقصورة الملعب، ولكن المحكمة
عندما علمت بذلك غرمت كل واحد منهما ما يعادل (416) يورو، حيث أن القانون
يحظر تناول الخمر داخل الاستادات.
ولا أدري أيهما أفضل وأكثر رومانسية في التعبير عن فرحته، هل هو الذي حملني
ولف بي (كالمدوان)، أم ذلك الرئيس الصربي الذي ضرب بالقوانين عرض
الحائط؟!
عن نفسي أقول: لا هذا ولا ذاك، الأفضل هو أن ينام الإنسان في «بانيو» ممتلئ
بالماء المغلي (100) درجة.