الفرنسيون أيها السادة يتمتعون بأجساد رشيقة تحسدهم عليها شعوب العالم
المتخمة .. ولو كانوا يعانون من الفقر أو المجاعة حال شعوب كثيرة لأمكن
فهم السبب وأتيح لنا غض البصر .. ولكن الفرنسيين (وهذا هو اللغز المحير)
يأتون ضمن أفضل الشعوب دخلا وأكثرها استهلاكا للأطعمة والسعرات الحرارية
.. ليس هذا فحسب بل يتمتعون بعادات غذائية سيئة مثل استهلاكهم المفرط
للنبيذ والكحوليات والنشويات (وجميعها أطعمة مليئة بالسعرات الحرارية)
ناهيك عن عدم ممارستهم للرياضة بقدر الأمريكان أو الألمان مثلا ..
ولكن في حين يعاني ثلث الشعب الألماني من البدانة ونصف الشعب الأمريكي من
السمنة (وفي حين تعيش 44% من النساء الأمريكيات في حالة ريجيم دائم) يعاني
12% من الفرنسيين فقط من السمنة المفرطة في حين لا تعرف المرأة هناك
"الريجيم" بمعناه الطارئ أو القاسي ..
ومايزيد الأمر استغرابا أن الشعب الفرنسي لا يعاني أيضا من أمراض القلب
وتصلب الشرايين (المسبب الأول للوفاة حول العالم) مقارنة بالدول والشعوب
المترفة في أوربا وشمال أمريكا !
وكان العالم قد تعرف على هذه المفارقة عام 1992 حين نشرت جامعة بورديوكس
الفرنسية ملاحظاتها حول هذا الموضوع .. وفي مطلع التسعينيات استضاف برنامج
"60 دقيقة" الأمريكي مجموعة من خبراء الصحة قدموا تفسيرات كثيرة كان
أكثرها جدلا علاقة هذه الظاهرة باستهلاك النبيذ الأحمر والدهون الطبيعية
!!
... واليوم يمكن اختصار آراء الأطباء بخصوص "اللغز الفرنسي" بالفرضيات
التالية:
l فهناك مثلا من افترض غلبة العامل الوراثي للشعب الغالي (أو الفرنسي) في
مسألة السمنة وانخفاض أمراض القلب. فمن المعروف أن هناك أشخاصاً لا يعانون
من البدانة مهما تناولوا من الأغذية والأطعمة السيئة لأسباب وراثية بحتة..
كما أن هناك من عائلات نادرا ما تعاني من أمراض القلب أو تعيش لفترة أطول
نسبيا (لأسباب وراثية ترتفع فوق كافة المحاذير الصحية)..
غير أن هذا الرأي في نظري ضعيف وتقل مصداقيته كلما حاولنا تعميمية على
مجموعة بشرية أكبر وأكبر ...
l أيضا هناك من افترض (وأرجو أن لا يؤخذ هذا كرأي شخصي) أن في النبيذ
الأحمر عناصر فعالة ضد أمراض القلب وتجلط الدم.. فالنبيذ الأحمر (الذي
يستهلك منه الفرنسيون كميات كبيرة) يتضمن قدرا كبيرا من مادة الريسفيراترول
(resveratrol) التي ثبتت فعاليتها في منع تصلب الشرايين والحد من
الكولسترول ومقاومة السرطان وإطالة أعمار الفئران .. ومع هذا يجب ملاحظة أن
هذه المادة توجد أيضا في النبيذ المنزوع الكحول ، ناهيك عن وجودها في
العنب الأحمر أصلا ...
أيضا هناك من يذكرنا بأن الفرنسيين (رغم استهلاكهم العالي للدهون) يأخذون
80% من حاجتهم من مصادر نباتية وطبيعية مباشرة (كزيت الزيتون وكبد الحوت
وبذور دوار الشمس) .. وهذه النوعية من الدهون مفيدة صحيا ولا ترفع
الكولسترول ولا تسبب السمنة مالم يتم تناولها مع كميات كبيرة من السكريات
(كون الأخيرة اسهل في الحرق وبالتالي تسمح للدهون بالتراكم في حنايا!
الجسم)...
أضف لهذا يمتدح خبراء التغذية طريقة الفرنسيين بخصوص كمية الطعام ذاتها ..
ففي حين يملأ الأمريكي طبقه (الضخم أصلا) بأنواع البطاطس والهامبرجر
والاستيك تعتمد العائلات الفرنسية على أطباق صغيرة تتضمن نوعا واحدا فقط من
الطعام تزين أطرافه بشكل جميل. وبهذه الطريقة يستمتعون بتناول عدة وجبات
صغيرة في اليوم بدل ثلاث وجبات كبيرة ودسمة (ولا داع للتذكير! باهتمام
الفرنسيين بمنظر الطبق أكثر من مستوى امتلائه بالرز والمفاطيح ) !!
وأخيرا ؛ هناك فرضيات أخرى ثانوية تعيد رشاقة الفرنسيين إلى المشي بكثرة ،
وتناول الأطعمة البحرية، وانخفاض استهلاك المشروبات الغازية، وعدم
الاعتماد على الوجبات السريعة والطعام المقلي، وانخفاض استهلاك السكريات
المكررة مقابل الفواكة والخضروات.. وأخيرا تركيز الثقافة الفرنسية على
أهمية الرشاقة وتناسق الجسد لدرجة لا تشعر المرأة أنها تعمل "ريجيم" كون
كل ماسبق (طبيعة حياة) ألفته منذ الصغر!!