ليس بالخبز وحده يعيش الإنسان، وإنما يعيش الإنسان بالخبز وأشياء أخرى ..!
فملكة فرنسا عندما ثَارَ الشعب عليها يطلب الخبز، قالت: ولِمَ الثورة ..
إذا لم يجدوا الخبز، فليأكلوا البسكويت ..!!
فالملِكة ظنّت أن الشعب يجد الخبز والبسكويت، فإن لم يجد هذا فبإمكانه أن
يتّجه إلى ذاك
وكانت هذه العِبارة أمطاراً من البنزين على نار الغضب
ثورة طبيعية، نتيجة حاجة طبيعية، فالطعام من أولويات استمرار الحياة، وحاجة
من حاجات الإنسان الرئيسية
وفقدانه، كفيل بتحويل أيّ مجتمع إلى مجتمع يعاني المجاعة
ولكن .. ماذا لو تحوّلت هذه الـ مجاعة إلى فجاعة
عذراً على هذا التعبير ...
ولكنّه التعبير الأنسب عمّا شاهدته منذ أيام ..!
فقد أعلنت إحدى المطاعم الشهيرة عن إقامة عرض خاص لكلّ زوار ساعات النهار
وهو أن يأكلوا ما يحلوا لهم داخل المطعم، بغضّ النظر عن الكميّة، أو المدّة
التي يقضونها
و كل ذلك مقابل سعر رمزي موحّد
وشِئنا الذهاب إليه .. ولكن ما أدهشني في الأمر وأثار حزني واستيائي
تلك الأطعمة الملقاة على الأرض وفي كل مكان، إنها صورة قبيحة من صور البذخ
والإسراف وعدم الإحساس بالمسؤلية
وتقدير النعمة، لدرجة أن صالة المطعم باتت متّسخة، حيثُ تجد بقايا الأطعمة
ملقاة على الأرض بطريقة سيئة
جعلتني أخشى من ضياع هذه النعمة يوماً ما، خجلت، فوددّتُ لو أنني أقوم
بجمعها جانباً
فهي كمية كفيلة بإطعام أُسر فقيرة حتى الشبع لعدة أيام
ولكن، بعد أن داستها الأرجل، وامتزجت ببعضها البعض، فإن مصيرها الحتمي بات
إلى سلّة القمامة ..!!
فرغتُ مِما أمامي من طعام، وجلستُ أتأمل
فما أراه أمامي وحولي وخلفي، أمرٌ يستحقّ الوقوف والتأمل
فإذا بي أرى رجلان يقفان عند أحد الأصناف، ويبدو أنهما يتشاجران ..!
حاولتُ التركيز من بعيد لعلّني أعرف السبب، ولكن ومن خلال مراقبتي لتبادلهم
الاتهامات تبيّن لي أن الأمر
له علاقة بمن بدأ أولاً ومن جَاءَ ثانياً .. المهم أن الأمر لا علاقة له
سِوى بالإنهمار على هذا الطعام ..!!
أخذني خيالي بعدها بعيداً عن الصخَب وأصوات الملاعق الحديديّة التي تدقّ في
الصحون الزجاجية بتناغمٍ مزعج
إلى مجموعة من الناس وقد ضلّوا طريقهم في الصحراء، بحيثُ أخذ الجوع والعطش
يتهدّدهم ولاحَ لهم الموت وشيكاً
فأخذوا يتقلّبون بين الحبّ والكراهية، إذ سُرعان ما انقلب إحساسهم بالتعاطف
إلى عداءٍ سافر لبعضهم البعض
فإذا بهم يأخذون في اختطاف ماتبقّى لديهم من ماءٍ يروي الضمأ، ومن فتات
خبزٍ يُبقي على الحياة
فعند احتدام الحاجة إلى الطعام، والإنهمار عليه، تتلاشى تلك القشرة الرقيقة
التي تتسم بها الشخصيات
والتي تُسمّى أحياناً دماثة في الخلق، أو التي نعتبرها في كثير من الأحيان
أدباً وإحتراماً
فأيّ احترامٍ للنعمة، أو للآخرين، أو حتى لذواتهم هنا ..؟
أم أنه الجوع ربما ..؟
أم لعلّها الرغبة في تذّوق جميع الأصناف رغماً عن كل شيء، حتى عن المعدة
..؟
إنها أشبه بثورة حقيقية، ثورة لأجل الخبز والبسكويت وأشياء أخرى
أرجو منكم التفاعل
والإدلاء بأرائكم وتجاربكم إن وُجدت