الإيمان بالقضاء القدر من ركن من أركان الإيمان لا يصح إيمان المسلم إلا
به....
والدليل على ذلك قول الله تعالى "إنا كل شيء خلقناه بقدر"
وقول الرسول ق " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم
الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره "رواه مسلم ...
والقدر معناه : أن كل ما وقع، وما هو واقع في هذا الكون من صغير وكبير
وجليل وحقير، ؛ فهو بقدر من الله ، كتبه الله وحكم به قبل خلق السماوات
والأرض، والله - سبحانه وتعالى- لاراد لقضائه، ولا مغير لحكمه...
وما دام أن القضاء والقدر بهذه الأهمية في الإسلام ؛ بحيث أن من أنكره يخرج
من الملة؛ فعلى المسلم أن يرضا به، ويسلّم ....
ولا شك أن هذا الرضا له ثمرات جليلة وفوائد عظيمة....
من هذه الفوائد: أن الرضا بما قدر الله يغسل قلوب الناس مما يلحق بها من
هموم وتعاسة تكون عادة مصاحبة للأقدار المؤلمة.....
ولاشك أن هذه الهموم قد تستفحل أحيانا حتى تحيل حياة أصحابها إلى جحيم
لايطاق، وقد يصابون بسببها بالأمراض النفسية، بل قد تدفعهم إلى الأنتحار؛
كي يتخلصوا من هذه الضغوط النفسية الرهيبة التي تزلزل كيانهم، وتقض
مضاجعهم...
وقد يبذلون في سبيل التخلص من ذلك أوقاتا وأموالا طائلة؛ ولم يعلموا أن
العلاج الشافي هو في أية من كتاب الله....
قال تعالى:
( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من أن نبرأها إن
ذلك على الله يسير 5 لكي لا تأ سوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتكم
والله لايحب كل مختالا فخور )
فالخالق- سبحانه وتعالى – يبين أن كل شيء، وكل أمر، وقع في الكون مكتوب
ومقدر قبل أن يخلق ذلك الإمر، حتى الورقة التي تسقط منى الشجرة، ولا حيلة
لأحد في دفعه، فما علينا إلا أن نرضى بما قدر الله، ونسلّم بما قضى وحكم؛
وإذا صدر منا أي اعتراض أو سخط؛ فلن ينفعنا ذلك في شيء، بل سيكون ضرره
علينا كبيرا في الدنيا والآخرة؛ لأن الاعتراض والسخط يفتح باب الشك، يشوش
العقيدة، ويجلب الهموم والنكد للإنسان...
إذن فالرضا هو الذي يملأ القلب يقينا وراحة وسعادة وأمنا، وينقيه مما حل به
من سخط وتعاسة وشقاء...
والعاقل لابد أن يقف مع نفسه وقفات حزم يحاسبها، ويزجرها عما زين لها
الشيطان والهوى من أمور لاتستقيم مع عقيدته...
وقد كان السلف الصالح يفعلون ذلك، ويجتهدون في اقناع أنفسهم بالحق وردها
إلى جادة الصواب بالحجج الواضحة، والبراهين الدامغة...
فهذا عمر بن الخطاب ط يقول: "ما أبالي أصبحت غنيا أم فقيرا؛ لأنني لا أدري
أيها أصلح لي؟ "
فالغناء والفقر عنده سواء؛ لأنه لايعلم الغيب؛ فربما يكون هلاكه في الغناء
المحبب إلى الناس دون الفقر؛ لأن الغناء أحيانا يطغي صاحبه، ويورده
المهالك....
وهذا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول: الفقر والغناء مطيتان ما أبالي
أيهما ركبت؛ فإن كان الفقر ففيه الصبر، وإن كان الغناء ففيه البذل...
وهذا عمر بن عبدالعزيز رحمه الله كان يقول في دعائه :
اللهم رضني بقضائك، وبارك لي في قدرك، حتى لا أحب تعجيل شيء أخرته، ولا
تأخير شيء عجلته...
ثم يقول: لقد تركتني هؤلاء الدعوات، وما في شيء أرب إلا مواقع قدر الله