السودان
والإغريق والرومانوفي العهد المروي كانت العلاقات وطيدة بين السودانيين والبطالسة بمصر
ولاسيما في عهد "بطليموس الثاني". كما كانت العلاقـة وثيقة بين
كوش واليونانين لدرجة ظهر ثأثير الحضارة
الإغريقية في الأثار بمروي. وبعد غزو الرومان لمصر حاولوا الاحتفاظ
بالحدود الجنوبية المصرية. ولم يعترف الكوشيون بحق الرومان في إقليم "روديكاشنوش"
وبسطوا نفوذهم عليه بإعتباره جزء اً من بلادهم. وحاربوا الرومان عام 39 ق.م
عندما ظهر جباة الضرائب لأول مرة في إقليم طيبة. حتى اضطر الإمبراطور " دقلديانوس " إلى إخلاء منطقة " روديكاشنوس " ونقل
الحامية الرومانية من المحرقة إلي أسوان، وأقر أن يدفع أتاوة سنوية لأهل كوش مقابل عدم
محاربتهم للإمبراطورية الرومانية. وتبين أثار مملكة مروي العلاقة الوثيقة
بين الرومان والكوشيين، ولاسيما في فن العمارة.
التفاعل
مع شبه الجزيرة العربيةوكان بين السودان وشبه الجزيرة العربية والشواطئ العربية والإفريقيـة صلات قديمة عبر البحر الأحمر. حيث ازدهرت تجارة الصمغ
والعاج والبخور والذهب بين السودان والحبشة من ناحية وبين موانئ
الجزيرة العربية من ناحية أُخرى. ومنذ 2000 سنة ق.م. احتلت إمبراطورية
الحبشة بلاد اليمن كما حدثت هجرات عربية من شبة الجزيرة العربية إلى
أرض النوبة في شمال السودان.
السودان
قبل التاريخوأظهرت الحفريات الأثرية آثارا سودانية منذ حوالي عام 3100 ق.م. إلي 2000 ق.م. ونجد أن
إنسان السودان اتخذ أول خطوة معروفة نحو الحضارة في أفريقيا بصناعة الفخار
واستعماله. وكان هؤلاءالسكان، وهم سكان الخرطوم القديمة يعيشون في مجتمع متطور مقسم إلى حرف
ومهن كما يظهر من آثارهم.
حضارة
المجموعتين الأولى والثانيةمقال تفصيلي :الأسرة
المصرية الخامسة والعشرون
ولا يُعرف شيء عن السودان علي وجه التحقيق ما بين عامي 3800 ق.م. و3100
ق. م. ولكن توجد قبور في أماكن مختلفة ببلاد النوبة تمثل ثقافة لا تُعرف من
قبل ويرجع تاريخها عام 3100 ق.م، ويطلق عليها " حضارة المجموعة الأُولي "،
ومن بين آثارها التي وُجدت في هذه القبور الأواني الفخارية والأدوات
النحاسية.
وهناك كانت حضارة أُخري تُعرف" بحضارة المجموعة الثانية " تلت ثقافة
المجموعة الأُولي.
وفي الفترة مـا بين 2240 ق.م - 2150 ق.م ظهرت في بلاد النوبة حضارة تُعرف بثقافة عصر "
المجموعة
الحضارية الثالثة".
الأسرة
السودانية الحاكمة لمصرنجح "كشتـا" ملك كوش في احتلال أجزاء من مصر وإقامة عاصمة
لمملكتة في نبتـة الواقعة أسفل الشلال الرابع. وتمكن "ابن كشتـا
وخلفه " الملك بعانخي (بيا) " من احتلال مصر كلياً وإخضاعها تماماً عام
725 ق.م.، وأسس
دولة إمتدت من البحر الأبيض المتوسط حتي الحبشة.
وعندما غزا مصر الأشوريون.أجبروا الكوشيين علي التراجع بعدما حكموا مصر
80عامـاً. وفي القرن السادس ق.م. نقلت كوش عاصمتها من نبتـة إلي مروي.
بعد نهاية عظمة مروي قامت ثلاثة ممالك نوبية. فكانت في الشمال مملكة
النوباطيين التي تمتد من الشلال الأول
إلي الشلال الثالث
وعاصمتها " فرس". ويليها جنوبـاً مملكة المغرة
التي تنتهي حدودها الجنوبية عند "الأبواب " التي تقع بالقرب من كبوشية جنوب مروي القديمة، وهذه المملكة عاصمتها "
دنقلا العجوز "، ثم مملكة علوة
وعاصمتها " سوبا " وتقع بالقرب من الخرطوم. وإتحدت مملكتا النوباطيين والمغرة فيما بين
عامي 650- 710 م وصارتا مملكة واحدة. وصلت النوبة قوة مجدها في القرن
العاشر الميلادي وكان ملك النوبة المدافع الأول عن بطريرك الكنيسة المرقسية بالإسكندرية. ولما
إنهزم " كودنيس " آخر ملك علي
مملكة دنقلا "
عام 1323 م، انتهت الدولة المسيحية. وبعد ذلك اعتنق السودانيون الإسلام.
فتاريخ الفترة التي تمتد من القرن الثامن قبل الميلاد إلي القرن الرابع
الميلادي، نجده في الكتابات التي تركها السودانيون علي جدران معابدهم
بالشمال وفي الأهرامات كأهرامات جبل البركل ونوري التي بناها ملوك نبتـة ومروي، والأثار علي ضفتى النيل ما
بين وادى حلفا وسنار وفي منطقة بوهين وفرس وعبد
القادرو نبتـة ومروي القديمة وفركة وجنوب وادى حلفا والكوة وبكرمة بمنطقة
دنقلة، وفي منطقة جبل البركل
ومروي. والأهرام الملكية في البجراوية والحصون التي شُيدت في السودان في
عصر إمبراطورية مروي وفي قرية الشهيناب علي الضفة
الغربية من النيل وسوبـا بالقرب من الخرطوم، ودير الغزالة
بالقرب من مدينة مروي الحديثة. وفي وادى حلفـا
بعمارة غرب، وسيسي " مدينتان
محصنتان وفيهما معابد بُنيت من الحجر الرملى ".. وبجانب الأثار هناك
،توجدعدة كتابات لكُتاب رومان وإغريق إلا أن معظمها يعتمد علي الإشارة
والتلميح كما أنها لا تعدو أن تكون أوهاماً.
السودان
في التاريخ القديمتمثال اّخر للملوك الكوشيون في السودان
جدران على الطراز الروماني الفراعنة السود في
السودان
نقش في أحد جدران المعابد النوبية
يبدأ التاريخ الموثق عن السودان من حوالي 50 قرناً أي خمسة آلاف سنة،
ومصادر هذا التاريخ :
- النقوش النوبية في بعض جهات السودان.
- الهياكل العظمية في المقابر النوبية.
- الصناعات الحديدية والنحاسية المتطورة.
وكان من أهم ملوك النوبة في عهد استقلاله الملك (بعانخي) الذي حكم مملكة النوبة سنة 751 ق.م.. وقد سعى
إلى ضم مصر إلى مملكته في السودان فأرسل حملة قوية حوالي سنة 730ق.م بعد أن
ورد إليه أن (تافنخت) – أحد ملوك
الدلتا – جهز جيشاً للانفصال عن مملكة النوبة فأرسل إليه (بعانخي) جيشاً
قوياً حتى تحصن (تافنخت) في إحدى
المدن فخرج إليه (بعانخي) من العاصمة النوبية (نبتة). حتى وصل إليه وحاصره
بجيوشه لثلاثة أيام، فتمكن منه فدانت البلاد من نبتة جنوبا إلى البحر
المتوسط شمالاً للملك (بعانخي). استمر الحكم النوبى في مصر مدة 80 عاماً.
وانتهى على أيدي الآشوريين الذين استولوا على مصر بعد عدة معارك كان
النصر فيها سجالا. عقب تلك الفترة انتقلت العاصمة إلى مروي نسبة إلى قربها
من السهول والحاصلات الزراعية والثروة الحيوانية وكانت ملتقىً تجارياً
هاماً بين شرقي النوبة وبقية أرجاءه. ازدهرت مروي في القرن الثالث ق.م
ازدهاراً شديداً حتى أن اليونان اعتبروها من مصادر الحضارة. واتسعت مروي
وكثرت مبانيها وعرفت عند أهلها الكتابة للغتهم، إلا أن طلاسمها لم تفك حتى
الآن. ازدهرت العلاقة بين السودان واليونان في تلك الحقبة حتى حاول اليونان التغلغل في
الأراضي السودانية في إطار توسعهم في الحكم، إلا أن السودانيين ردوهم على
أعقابهم وحافظوا على استقلالهم السياسي.
السودان
في القرن العاشروفي القرن العاشر الميلادي كان السودان منقسماً إلى:
1. مملكة المقرة
في الشمال وكانت دنقلا عاصمة لها.2. مملكة علوة على النيل الأزرق وعاصمتها سوبا.3. مملكة البجة في شرق السودان ومقر ملكها في هجر.
في عهد الظاهر بيبرس تم إرسال حملة للقضاء على مملكة
المقرة المسيحية سنة 1276م. وهُزِمَ الملك داود، وكانت تلك الحملة من
الحملات القوية حتى انهم استطاعوا أن يقلبوا الكنائس إلى مساجد. فاستمر
التدفق الإسلامي جنوباً حتى جاوروا مملكة علوة التي كانت تدين بالمسيحية
أيضاً، فتحالف العرب بقيادة عبد الله جماع
مع الفونج وهاجموا علوة
وكان أول هجوم لهم من بوابة علوة من اربحي حيث تعد اربجي الميناء الرئيسي
لعلوة علي النيل الازرق كما هي حامية رئيسة لعلوة علي النيل الازرق وبعد
معركة اربجي 1504 وانتصار الفونج دخلوا سوبا وخربوها خراباً مشهوراً حتى
أُطلق المثل "خراب سوبا". بانتصار الفونج وحلفائهم
العرب في 1504 م بدأت أول سلطنة عربية إسلامية في السودان
وكان سلطانها هو قائد الفونج في معاركهم "عمارة دونقس"
وكان قائد العرب "عبد الله جماع"
وزيراً له، وتم الاتفاق أن يكون السلاطين من الفونج والوزراء من العرب. دخل الدين الإسلامي إلى
السودان في الشمال والشرق والغرب والوسط والقليل من المناطق الجنوبية،
وانتشرت مع الإسلام اللغة العربية التي بدأت
تسود البلاد وتختلط بالسودانيين حتى تكونت اللهجة السودانية الحديثة.
بعد فترة طويلة من المجد والعظمة ضعفت السلطنة الزرقاء
(سلطنة الفونج) بسبب المعارك مع مملكة الفور على
مناطق كردفان سنة 1748 التي أجهدت المملكتين عسكرياً واقتصادياً.
الغزو
التركي 1820بعد استيلاء محمد علي باشا على مصر أراد أن يكون له جيشاً
قويا بسبب الأطماع الأوروبية الهادفة إلى الاستيلاء على بلاده وخاصة بعد الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت الذي استمر من 1798 ولم ينتهِ إلا بالصلح الذي عقده الفرنسيون مع
الإنجليز سنة 1802 ثم حاولت إنجلترا غزو مصر في 1807 لكن الاتراك ردوهم. فعمل الباشا جاهداً على
أن يوسع رقعة حكمه شرقاً إلى الحجاز، غرباً إلى ليبيا وجنوباً إلى السودان ليضم هذه البلدان تحت
إمبراطوريته حتى انه شمل في تهديده الإمبراطورية العثمانية شمالاً. بدأ
بأراضي الحجاز فهاجمها في السنوات ما بين 1811 - 1818م وانتصر على السعوديين وبعدها اتجه غربا
فأمّنَ حدوده الغربية حتى واحة سيوة سنة 1820.
لم يبقى له سوى تأمين الحدود الجنوبية، إن حملاته ضد الوهابيين شغلته عن ذلك سابقاً حتى أرسل وفداً يحمل في
ظاهره الصداقة والمودة إلى سلطان الفونج في 1813 وكانت مهمة الوفد استقصاء الحقائق حول الوضع
السياسي، الاجتماعي، الاقتصادي والحربي. وقد حمل الوفد هدايا إلى السلطان
تقدر قيمتها بـ 4 ألف ريال (كانت العملة السائدة في السودان في ذلك الوقت
الريال النمساوي أو الإسباني أو المكسيكي) فرد السلطان الهدية بما يتناسب
ورغبات الباشا ولكن أهم ما حمله الوفد في طريق عودته كانت التقارير التي
تفيد ضعف السلطنة خاصة والسودانيين عامة بالإضافة إلى خلو السودان من
الأسلحة النارية. رغم ذلك تأخر الغزو بعد ذلك عدة سنوات لأن الوهابيين لم
تنكسر شوكتهم بعد. أراد محمد علي أن يكون جيشه حديثاً ومجهزاً بأحدث
الأسلحة وبنظام وتدريب حديثين، لكنه علم أن جنوده لن يقبلوا هذا النظام
بسبب عدم اهتمامهم وبسبب عدم رغبتهم في إطاعة الأوامر. فقرر أن يستجلب
الجنود من السودان وكان هذا من الأسباب التي دفعته إلى الاستيلاء على
السودان. كان السوداني بقامته العسكرية وشجاعته المعهودة من احسن الجنود.
اشتهر السودان منذ القدم بأن أراضيه غنية ب الذهب وكان محمد علي في حاجة إليه
لانفاقه على بلاده عسكرياً وصناعياً وحتى زراعياً.
خلال القرن الثامن عشر كانت الحبشة تشكل تهديداً للمصريين والسودانيين
بتحويلها لمجرى النيل وخاصة بعد الأنباء التي أشاعت
أن الإنجليز وأوروبا عامة مساندة لفكرة التحويل. أراد محمد علي أن يأمن
هذا الأمر أيضاً باستيلائه على السودان، بالإضافة إلى ما في ذلك من زيادة
للرقعة الزراعية لأراضيه. أراد محمد علي من السودانيين أن يكونوا على مودة
مع الوالي لكن الأمر لم يكن كذلك إذ أن المماليك الذين هربوا من مكائده
اتخذوا من شمال السودان موطناً لهم بالقرب من مملكة الشايقية،
حيث أنشؤوا مملكة لهم كانت بمثابة طعنة في ظهر محمد علي، لذلك قرر أن يقضي
عليهم خوفاً من أن تزيد سلطتهم ويسيطروا على السودان فيشكلوا خطراً على
حكمه. كان محمد علي يرمي إلى استغلال تجارة السودان واحتكار حاصلاتها
وتسويقها في السوق العالمية عن طريق مصر. من أهم صادرات السودان آن ذاك : العاج،
الأبنوس، ريش النعام والجلود هذا بالإضافة للذهب الذي طالما اعتقد
المصريون وجوده في السودان بكميات مهولة، كما أن السودان كان سوقاً جيداً
للصادرات المصرية. وإذا حصرنا هذه الأسباب نجدها:
- تأمين البلاد ضد الغزو الأوروبي باستجلاب الجنود من السودان. وبزيادة
رقعة وعدد سكان بلاده.
- الحصول على التمويل لدعم القطاعات المختلفة في مصر باستغلال الذهب
والتجارة والحاصلات السودانية.
- تامين مجرى النيل المصدر الوحيد لري الأراضي المصرية وزيادة المساحة
الزراعية.
- وجود المماليك في السودان.
بعد عودة الوفد المصري التركي الذي أرسله محمد علي باشا ما لبث أن قدم
إلى مصر الشيخ بشير ود عقيد
من قرية أم الطيور قرب عطبرة في 1816 وطلب من محمد علي أن يعينه على
خصمه ملك الجعليين الذي أقصاه من مشيخته، اعتقد الشيخ أن الباشا
سيساعده فأبقاه الباشا واكرم وفادته حتى أعد العدة لفتح السودان وأرسله مع
الجيش سنة 1820، ثم عينه شيخاً على شندي في آخر الأمر بعد نزوح المك نمر إلى الحبشة. وأرسل أيضاً جيشاً آخر إلى سلطنة الفور
ليستولي على كردفان ودارفور.
(الحملة
الأولى) الزحف إلى سنار يوليو 1820تولى قيادة الجيش الأول إسماعيل
بن محمد علي باشا وضم الجيش 4500 من الجنود فيهم الأتراك والأرناؤوط
والمغاربة (لوحظ عدم وجود أي مصري بين الجنود، إذ كان الجيش من المرتزقة
الذين تعود الأتراك أن يجندوهم) وتسلحوا بالبنادق و24 مدفعاً. كان الباشا
يعلم أن السودانيين يجلون علماء الدين أجلالاً عظيما فأرسل مع الجيش ثلاثة
من أكبر العلماء وهم: القاضي محمد
الأسيوطي الحنفي، السيد أحمد البقلي
الشافعي والشيخ السلاوي المكي،
وكان عليهم أن يحثوا الناس على وجوب طاعة الوالي ويتجنبوا سفك الدماء
(لحرمتها) ويطيعوا الخليفة العثماني وواليه في مصر. ما أن ارتفعت مياه
النيل في فيضان يوليو 1820 حتى اندفعت 3000 مركبة تشق
النيل من أسوان متجهة جنوبا ومثل ذلك العدد من الجمال كان يسير
على اليابسة تابعاً للحملة (يوجد عدم تناسق بين الأرقام الواردة عن هذه
الحملة وعلى سبيل المثال عدد الجنود لا يتناسب مع عدد المراكب والجمال،
لكننا نسرد الأرقام تماماً كما وردت في المرجع). وجد حكام شمال السودان
أنفسهم ضعافاً أمام الحملة نظراً لتفرقهم إلى ممالك صغيرة، فسلموا الأمر
إلى إسماعيل باشا. أما المماليك فهرب جزء منهم إلى الجعليين وسلم البعض
الآخر نفسه إلى إسماعيل.
معركة
كورتي نوفمبر 1821لم يقابل جيش إسماعيل أية عقبة حتى وصل الديار الشايقية الذين اعتزوا
بسطوتهم على جيرانهم وثورتهم على الفونج. آثر الشوايقة الخضوع للحكم على أن
لا يتدخل الباشا في شؤونهم لكن إسماعيل وضع شروطا كان أهمها هو تسليمهم
الخيل والسلاح (الأبيض) وأن يفلحوا الأرض فلم يقبلوا بذلك وعزموا على
القتال. بدأ النصر يلوح للشوايقة في بادئ الأمر إلا أنهم سحقوا بعد ذلك تحت
وطأة السلاح الناري فانقسموا إلى مؤيد للموالاة بقيادة الملك صبير حاكم
غرب الشايقية وإلى المقاومين الذين لحقوا بالمماليك في دار جعل، بقيادة
الملك جاويش حاكم عموم الشوايقة في مروي. فمنح إسماعيل مكافأة لكل جندي
يقتل شايقياً ويأتي بأذنيه دليلاً وكان من جراء ذلك أن عاد الجنود بعدد ضخم
من آذان القتلى والأحياء لكن هذه القسوة محتها المعاملة الحسنة من عبدي
كاشف أحد قادة جيوش إسماعيل حين أعاد الفتاة صفية بنت صبيرشيخ السواراب أحد
ملوك الشوايقة التي كانت تؤلب الرجال وتثير فيهم الحماس ليستميتوا في
قتالهم ضد الغزاة. انضم رجال الملك صبير إلى جيش إسماعيل برغبة منهم فساروا
معه لإخضاع بقية الأراضي. وذهب الملك جاويش إلى
المتمة حيث المك نمر لكن المك أبى أن يقبل التحالف معه فاتجه جنوباً إلى حلفاية الملوك
الذين رفضوا أيضاً فهاجمهم بخيالته ثم اتجه شمالاً ليعلن عن رغبته في
الانضمام إلى جيش إسماعيل. بانضمام الشايقية إلى الجيش الغازي كان لهم
تاريخ جديد هو التعاون مع الأتراك والمصريين حتى قيام الثورة المهدية.
وكانت نزعتهم هي أن يكونوا سادة مع السادة مهما كان الأمر بدلاً من أن
يعيشوا كسائر الرعية، وربما كان حبهم للجندية هو أهم دافع لهم على السير في
جيش إسماعيل. قرر المك نمر الإذعان للجيش الغازي فانضم للجيش فألحقه
إسماعيل بجيشه ليضمن ولاءه. وسار الجيش حتى بلغ الحلفايا دار
العبدلاب حتى جاء ملكهم الشيخ ناصر بن الأمين خاضعا للجيش فتركه سيداً على
بلاده وأخذ ابنه ليضمن ولاء العبدلاب كما جعل من المك نمر ضماناً لولاء
الجعليين وكان ذلك في 1821.
اجتياح
سـنــارسار الجيش متجها نحو سنار عاصمة مملكة الفونج فأرسل
إسماعيل إلى الوزير محمد ود عدلان
الذين كان ممسكاً بزمام الحكم بدلاً من السلطان
بادي السادس. وطلب إسماعيل باشا الولاء للخليفة العثماني فكتب له ود
عدلان رسالته المشهورة:
لا يغرنك انتصارك على الجعليين والشايقية، فنحن
هنا الملوك وهم الرعية. أما علمت بأن سنار محروسة محمية، بصوارم قواطع
هندية، وجياد جرد أدهمية، ورجال صابرين على القتال بكرة وعشية. كان
ظاهراً أن ود عدلان لم يكن يعيش واقع عصره إذ أن جواسيسه أخبروه أن الجيش
قوامه 186 ألف محارب (نلاحظ أن الجيش المتحرك من مصر كان 4500 جندي) حتى
انه أخذ يطلب العون من الأولياء والصالحين بدلاً من تجنيد الجند من القبائل
ومحالفة القبائل الأخرى ليستعد لمقابلة الجيش. تم اغتيال ود عدلان بسبب
مشاكله مع أبناء عمومته قبل أن يصل إلى اتفاق مع الفور بشأن توحيد الكلمة
لمحاربة الغازي. بدأ الأرباب دفع الله الوزير الجديد للسلطنة بالمفاوضات في
ود مدني مع إسماعيل ونقل إليه رغبة السلطنة في الخضوع
بعد أن أدرك أنه لا فائدة ترجى من المقاومة. لما اقترب إسماعيل من سنار
خرج إليه بادي السادس
(الذي كان شاباً في الخامسة والعشرين) مبايعاً وتنازل عن سلطانه لخليفة
المسلمين في 13 يونيو 1821. هكذا انتهت سلطنة الفونج
التي عاشت في ربوع السودان من عام 1504 – 1821م، بدخول الجيش في اليوم التالي دخول الغزاة
المنتصرين وهم يقصفون البر ومن خلفهم سار السلطان السابق بعد أن عينه
إسماعيل شيخاً على سنار ليجمع الضرائب ويسلمها للإدارة التركية
المصرية.
الحملة
الثانية - حملة كردفان ودارفورأرسل محمد علي جيشاً آخر بقيادة صهره محمد بك
الدفتردار لضم غرب السودان إلى أملاك مصر. ولقد أمد الكبابيش وهي
القبيلة التي تقطن بين مصر والمناطق الغربية للسودان والتي كانت تحمل
البضائع من وإلى مصر من تلك المناطق أمدت جيش الدفتردار بما احتاج إليه من
جمال لنقل العتاد إلى غرب السودان وكانوا خير دليل لتحديد أماكن الآبار
ومناطق المعسكرات. سار جيش الدفتردار عقب انطلاق الجيش الأول وقبل أن يصل
إلى الأبيّض عاصمة الفور أرسل إلى سلطانها محمد الفضل
ينصحه بالتسليم فرد ود الفضل:
أما علمت أن عندنا العباد والزهاد،
والأقطاب والأولياء الصالحين من ظهرت لهم الكرامات في وقتنا هذا وهم بيننا
يدفعون شر ناركم، فتصير رماداً، ويرجع إلى أهله والله يكفي شر الظالمين.
لكن الدفتردار تقدم إلى كردفان دون أن يعترضه أي معترض فلما علم الوالي
خرج بعسكره متجهاً شمالاً إلى بارا ليواجه الجيش الغازي.
واقعة
بار 16 أبريل 1821مالتقى الغزاة مع جيش المقدوم مسلم
والي كردفان الذي عينه السلطان محمد
الفضل، فاندفع جيش الأخير لا يظن سوى النصر (كما فعل الشايقية من قبل)
لكنهم تفاجئوا بسقوط الجنود بالرصاص فعلموا أنه لا قبل لهم بعدوهم وهم
يحملون السيوف والرماح. وهكذا انتهت واقعة بار بانهزام الوطنيين وانتصار
الغزاة فسقطت كردفان في يد الدفتردار قبل سقوط سنار في يد إسماعيل. لم
يحاول السلطان المقاومة بل نزح إلى الفاشر ينتظر تطورات الموقف. لم يسر الدفتردار أبعد من
الأبيّض لندرة المياه في تلك المناطق فأعلن محمد علي باشا عدم رغبته في
فتح دارفور بل فكر في إخلاء كردفان والتنازل لأحد الملوك
ليدفع الجزية إلا أن الدفتردار أقنعه بالعدول فعدل عن ذلك في 1822م.
مقـتل
إسماعيل بن محمد علي باشا 1822بدأت الثورات تظهر في مختلف المناطق بسبب الازدياد المتواصل في الضرائب
التي فرضها الأتراك على السودانيين إذ أن الضرائب السنوية للممتلكات كانت
تقدر بنصف الثمن. فلما هدأت تلك الثورات بعد أن زاد الولاة في قسوتهم
وزادوا في ضرائب الجهات الثائرة إذ أن الجزيرة زيدت ضرائبها من 35،000 ريال
إلى 50،000 ريال وكذلك أراضي الجعليين.
وصل إسماعيل باشا إلى شندي في ديسمبر 1822 وأمر المك نمر والمك مساعد
بالمثول أمامه وعند حضورهما بدأ الباشا بتأنيب المك نمر واتهامه بإثارة
القلاقل ومن ثم عاقبه بأن أمره أن يدفع غرامة فادحة، الغرض منها تعجيزه
وتحقيره (1000 أوقية ذهب،
ألفي عبد ذكر، 4 آلاف من النساء والأطفال، ألف جمل ومثلها من البقر والضأن) واختلفت المصادر في الأعداد لكن اتفقت في
استحالة الطلب. رد المك باستحالة الطلب فأهانه الباشا وضربه بغليونه التركي
بإساءة بالغة أمام الحاضرين. حتى أن المك رفع سيفه فأوقفه المك مساعد وتحدث
إليه ب اللغة الهدندوية (التي
عرفوها عن طريق التجارة مع سكان البحر الأحمر) فأبدى المك رضوخه وأظهر
خضوعه بأن دعا الباشا إلى العشاء وذبح له الضأن وهيأ له الحرس وأمعن في
خدمته وأخبره أن الغرامة ستدفع في صباح اليوم التالي، أثناء ذلك كان
الجعليون يطوقون الحفل بالقش من كل مكان مخبرين رجال الباشا أنها للماشية
التي ستحضر وقبيل انفضاض الحفل أطلق الجعليون النار في القش فمات إسماعيل
ورجاله خنقاً وحرقاً. نتيجة لذلك ساءت معاملة المغتصبين أشد الإساءة حتى
أنهم قتلوا في إحدى المرات 30،000 من الجعليين العزل، استمر المك نمر في
إغارته على الدفتردرا حتى بلغت خسائر رجاله عدداً عظيما بفضل السلاح الناري
فهاجر المك ومعه عددا لن يستهان به من الفبيلةإلى حدود الحبشة حيث خطط
مدينة أسماها المتمة أسوة بعاصمة الجعليين في الشمال ومكث هناك عدة سنين
حتى مات.
استمر الحكم الدفتردار العسكري للسودان واستمرت المجازر البربرية كما أن
الجنود الذين لم يتسلموا مرتباتهم لمدة ثمانية أشهر بدءوا بالبطش والنهب
ليجدوا متطلبات حياتهم، إلى أن ثار الرأي العام الأوروبي، فأمر محمد علي،
الدفتردار بالعودة سنة 1824 محاولة منه إنهاء الحكم العسكري
وإرساء نظام إداري أكثر إنسانية.
عند الدخول التركي عينت سنار عاصمة للسودان إلا أن أمطارها
الخريفية وكثرت الأمراض فيها اضطرتهم إلى تغييرها إلى ود مدني إلى أن أتى
عثمان باشا الذي خلف الدفتردار عقب عودته إلى مصر وأعجب بالمنطقة التي
يقترن فيها النيل الأبيض بالأزرق فبنى قلعة ووضع فيها الجند سنة 1824 واتخذها عاصمة له. تلك كانت بداية مدينة
الخرطوم التي ازدهرت وسكنها 60 ألف نصفهم من المصريين واليونان واللبنانيين
والسوريين وأعداد من الأوروبيين. اهتم خورشيد باشا أيام حكمه 26-1838 بتحسين الخرطوم
وإنشاء المنشآت كما شهدت الخرطوم في عهده نوعا جديدا من الحكم إذ امتاز
بإشراك السودانيين في الحكم كما عين الشيخ عبد القادر
ود الزين مستشاراً له، الذي ساعده بدوره في حل الكثير من مشكلات
السودان وأهمها هجرة السودانيين إلى المناطق المتاخمة للحبشة والبحر الأحمر
هرباً من البطش والضرائب، فأعفى المتأخرات وأعفى الفقهاء ورجال الدين ورؤوس
القبائل من الضرائب فبدأت الوفود بالعودة.
التقسيم
الإداري في عهد محمد عليبعد استقرار الأحوال قليلا في السودان قسم محمد علي البلاد على النظام
الإداري التركي إلى 6 مديريات: دنقلا، بربر، الخرطوم، سنار، كردفان وفازوغلي (كما وردت
في المرجع). ثم ضمت مديرية التاكا في الشرق فأصبحت السابعة. سنة 1834 أطلق محمد علي اسم الحكمدار لحاكم السودان
وأعطيت له السلطات العليا الإدارية، التشريعية، التنفيذية والعسكرية. لكنه
غير النظام سنة 1843 لتخوفه من الحكمدار أحمد باشا شركس
(أبو ودان) الذي كان طموحا وأراد أن يستقل بالسودان عن طريق فرمان من
الباب العالي التركي. واستبدل الحكمدار بالمنظم بعد وفاة أحمد باشا أبو
ودان المثيرة للجدل. إلى أن أعاد الحكمدارية للسودان بسبب ضعف المنظم الذي
عينه.
الخديوي
عباس (48-1854)اهتم عباس الذي خلف محمد علي باشا، اهتم بالنواحي الإدارية كثيراً وحاول
معالجة الرشاوى وأعاد تقسيم المديريات وأدخل الطب الغربي إلى السودان لمعالجة
الجنود والموظفين المصريين والأتراك، كما فتحت أول مدرسة لأبناء الموظفين
في الخرطوم سنة 1853 على يد رفاعة بك
الطهطاوي. وفد نشطت التجارة الأوروبية في السودان في عهده وساعد هو في
ذلك بتخفيف القيود المفروضة وكان الكثير منهم يتاجر في الرقيق كما أن القناصل كانوا
يتاجرون في العاج فكانوا يبيعون العمال مع العاج فور وصولهم للجهة
المستوردة. أيضاً بدأت الحملات التبشيرية ل المسيحية في عهده سنة 1848 كما أرسل الكثير من الموظفين والمحاسبين الأقباط (كما فعل محمد علي باشا
من قبل)...
الخديوي
سعيد (54-1863)اهتم سعيد برفاهية وترقية الشعب السوداني كما حارب تجارة الرقيق وحاول تحسين
النظام الإداري في السودان كما عمد إلى إشراك السودانيين في الحكم وأنشأ
الحكومات المحلية وجعل الإدارة غير مركزية لتيسير عمل المديريات وسرعة
تنفيذ مشاريعها، فألغى الحكمدارية مرة أخرى (مع الفرق الشاسع في السبب)..
كما عزز مكانة مشايخ القبائل وجعلهم ينوبون عن المديرين في جمع الضرائب
التي خففها عنهم بعد زيارته للسودان ومقابلته للمواطنين الذين شكوا له ثقل
الضرائب على عواتقهم، فتقابل جشع المديرين(الذين اعتبروا السودان منفى لجمع
الثروة) مع وطنية المشايخ مما أدى إلى إخفاق النظام اللامركزي الديموقراطي
الذي أعطى السودانيين بعض الحق في إدارة وطنهم، فشاهد سعيد هذا الفشل الذي
حاق بنظامه الإنساني الديموقراطي قبل وفاته فأعاد الحكمدارية للسودان. وفي
سنة 1857 عُين أراكيل بك مديراًً
للخرطوم فثار السودانيون على تعيين مدير مسيحي عليهم وطالبوا باستبداله
إلى أن أرسل المدير عدد منهم لسجنهم في مصر إلا أنهم أعيدوا إلى بلدانهم.
إسماعيل
باشا الثاني (1863 - 1879)عمد إسماعيل إلى تغيير النظام الإداري كلياً نظراً لكثرة الأخطاء
والمساوئ، واهتم بإدخال التعليم فأنشأ العديد من المدارس الابتدائية في
المدن الكبرى كالخرطوم ودنقلا ،الأبيّض، بربر وكسلا وكانت مفتوحة للسودانيين
الراغبين في ذلك بالإضافة لأبناء الموظفين المصريين (هذا إلى جانب الخلاوي
التي انتشرت في مختلف بقاع السودان والتي تتفاوت في أهميتها حسب شهرة
المشايخ والفقهاء وكان إسماعيل باشا يساعد هذه الكتاتيب بدفع مرتبات شهرية
للشيوخ)، اهتم الباشا إسماعيل أيضاً بقطاعي الزراعة والمواصلات (من سكك
حديدية، مواصلات نهرية، تلغرافات). كما أراد التوسع جنوبا وغرباً وشرقاً
فاتفق مع الرحالة الإنجليزي صمويل بيكر على
أن يخضع له حوض ومنابع النيل مقابل مرتب سنوي
كبير، وكانت تلك بداية دخول الإنجليز إلى السودان الذين كثر عددهم
كمسؤولين وموظفين. نجح صمويل في إخضاع مساحة شاسعة من الجنوب تحت حكم
الخديوي بعد معارك ضارية مع القبائل في تلك المناطق. إلى أن ترك صمويل
البلاد مخلفاً حقد المواطنين بسبب وحشية تعامله، فخلفه الضابط الإنجليزي
تشارلز جورج غردون، نجح غردون في مهمته أكثر مما فعل صمويل بيكر لأنه كسب
ود العديد من القبائل وحارب تجار الرقيق، إلى أن قام رجل مغامر من أبناء
الجيلي وهي منطقة تابعة لنفوذ الجعليين في ذلك الوقت، وهو الزبير باشا
رحمه برحلة إلى الغرب، فاختلط مع التجار ودخل معهم واستطاع أن يجمع
ثروة بسبب ذكاءه وكون جيشه الخاص إلا أن استولى على منطقة بحر الغزال وكوّن
أول ولاية إسلامية هناك وأسقط سلطنة الفور 1874 التي استمر حكمها ما يقارب ثلاثة قرون،
أسقطها بمساعدة الحكومة المصرية التي تولت فيما بعد حكم هذه المناطق. تخلى غردون عن منصبه كحاكم
على مديرية
الاستوائية وعاد إلى بلده فاتصل به الخديوي مرة أخرى واقترح عليه أن
يكون حكمدار السودان مضافة إليه الأراضي الجديدة بعد التوسع في الحكم فوافق
على ذلك في 1877. عمل غردون على إيجاد طريقة فعالة لمحاربة
الفساد في الحكومة ومحاربة تجارة الرقيق، إلا أنه واجه العديد من الثورات
منها تلك التي أقامها الزبير باشا لأنه فتح المنطقة الغربية من ماله الخاص
ولم تعوضه الحكومة المصرية عن ذلك، بدأ بتأليب الفور عليهم ليحاولوا إعادة
سلطنتهم فخرج السلطان هارون
بجيش في أوائل 1879 من جبل مرة فتواجهوا مع قوات لحكومة وقُتل
السلطان وهزم جيشه وبذلك أخمدت تلك الثورة. اضطربت أفكار غردون بعد أن أصبح
حكمدار السودان وكانت تجارة الرقيق ومحاربتها هي شغله الشاغل فأراد أن
يقضي عليها في أقصر وقت ممكن لكن الرقيق في البيوت السودانية لم يرغبوا في
ترك أسيادهم فاتفق غردون مع الملاك على أن يسمح لهم بتملكهم مدة 12 سنة وأن
يكون للحكومة الحق في التدخل في شؤونهم إن دعت الحاجة وأعطى كل منهم
مستندات تفيد ذلك وسجل أسماء وأوصاف الرقيق لضمان عدم التلاعب في القرار.
اضطربت بقية الأحوال في عهده وارتفعت الضرائب وساءت الإدارة.