حتى لا نصبح كرة

يُحكى أن شخصاً ظلّ ينطوي وينكسر حتى دَخَل رأسه في بطنه وراح يتدحرج مثل كرة
ولم ينقذه من هذه الدوخة إلّا فيلسوفٌ حكيم، رآه يتدحرج، فاستوقفه .. وأبعَدَ بطنه عن رأسه
وصلّب عوده وشدّ ذراعيه وساقيه، وثبّت رأسه على كتفيه وفتحَ عينيه ودقّ رأسه مرةً بعد مرةً حتى أفاق

وعندما أفاق قال له: " الآن قد عادت لكَ الحياة .. وعَادَ لكَ نور العقل
واستقامت الأرض احتراماً لإستقامة ظهرك .. أنتَ الآن مخلوقٌ جديد .. والدنيا من حولك جديدة "

احتفظتُ بهذه القصة في مفكّرتي منذ مدّةٍ طويلة، فقد شدّني الرّمز في القصة كثيراً
على الرغم من أنني لم أُجيد فهم المعنى الحقيقي لها، ولكنني تركتها مُخبأة حتى يحين الوقت المُناسب لفهمها ..!!

إلى أن وجدّتُ نفسي أدور حول كل الأشياء التي حولي، وتدور الأشياء حولي ..!!

فأنا أريد الحصول على كل شيء .. أريد تحصيل العِلم فلم أكتفِ بعد .. وأريد حجز مكاني في الوظيفة
أريد جني المال .. والأصدقاء .. والسعادة .. أريد أن أترك بصمةً في كل مكان
أريد أن أعرف كل شيء في هذا العالم .. وفي كلّ العوالم

أريد ترتيب الأشياء .. فهناكَ أشياءٌ من حولي لا تعجبني .. وأخرى تعجبني ..!!

الخطأ .. الصواب
أيّ الأخطاء أصوَب .. وأيّ الصوّاب الخطأ ..!!

شعرتُ بأنني أدوخ ..!!
لا بل الدنيا تدوخ ..!!
إنها دوخة مضاعفة .. فعقلي يدور .. ورأسي أيضاً
أحياناً أنظر فأجد رأسي على كتفي ..!!
وأحياناً أنظر .. فلا أجدها ..!!

عندها فهمتُ وأدركتُ .. بأننّي الآن أصبحتُ كرةً تتدحرج، تدوخ حول الأشياء

فكّرتُ .. !
هل عليّ أن أنتظر الحكيم ليعيد لي استقامتي ..!!
لعلّني لا أتدحرج في طريقه ..!
لعلّه لا يُصادفني ..!
أو .. لعلّ أحداً عابثاً يعثرّ عليّ وأنا أتدحرج .. و .....

إلى متى سأظلّ أتدحرج ..!!
وهل هناكَ حكيمٌ حولي سوى .. نفسي ..!!

قالت لي نفسي:
" فلتتوقّفي عن التفكير في كل شيء، فالتفكير دوران، والزيّادة من سرعة هذا الدوران
سيقلّصكِ ويجعلكِ كرةً تتدحرج قد تضيع في غياهب التِيه و الجنون "