لاشك أن
الزواج هو
أسمى الروابط الإنسانية التي سنتها الأديان السماوية وصدقت
عليها
الأعراف ونظمتها لتتفق مع الفطرة, وكغيره من أمور الحياة،
يحتاج الزواج
إلى التدقيق والتفكير ووضع الأسس
السليمة
التي تستقيم بها هذه الشركة حتى لا تشكل مصدر تعاسة أو ضرر
لأطرافها,
ومن هنا يكون الاهتمام أولاً بالاختيار المناسب الذي يتطلب
مراعاة عدة
نقاط منها الدين والخلق والتكافؤ الاجتماعي وأخيراً التوافق
الطبي الذي
لم يكن هناك اهتمام كبير به فيما مضى مع أنه يؤثر على استقرار
الحياة
الزوجية وسلامة الأطفال الذين يولدون.
وتتضاعف
أهمية هذا
الجانب، خصوصا مع العادات والتقاليد العربية التي تحبذ زواج
الأقارب,
لما ثبت علميا من وجود احتمالات لولادة أطفال مصابين بأمراض
وراثية,
مما يستدعي إجراء الفحوصات الطبية اللازمة التي ستحدد القرار,
أما
المجازفة بإتمام الزواج أو الانفصال بسبب إنذار طبي لا بد من
أخذه بعين
الاعتبار كونه ينبئ عن وجود نسبة كبيرة من الخطر.
ويعتبر
زواج
الأقارب نمط الزواج المفضل الذي حظي بقيمة مهمة في الثقافة
العربية,
فالزواج المثالي في هذا السياق ذو النسب الخطي الأبوي هو
القران الذي
يجمع بين ولدي أخوين, ابن أحدهما يتزوج بنت الآخر.
ويمثل هذا
الارتباط نمط الزواج الذي فضلته الثقافة منذ قرون, حتى وإن كان
لا
يمَارَس بكثرة، وهو في تناقص متواصل بدون شك, وإذا لم ينجح
البحث
الأنثروبولوجي إلى اليوم في العثور على تفسير له في إطار نظرية
القرابة, فإن من السهل استخلاص أساسه الاستيهامي من الحكايات
والأساطير
الذي يُرمز إليه بالوحدة الوثيقة بين الأب والبنت والأم
والابن.
وقد كثر
الحديث عن
علاقة زواج الأقارب بالأمراض الوراثية في الذرية, وذلك نتيجة
للتقدم
العلمي في علوم الوراثة في عصرنا الحاضر, وما صاحب ذلك التقدم
من
اكتشاف كثير من الحقائق العلمية لم تكن مفهومة في العصور
الماضية.
وترجع
أهمية هذا
الموضوع إلى أن زواج الأقارب مفضل في بعض المجتمعات وخاصة
الشرقية
منها, وذلك لأسباب كثيرة منها الرغبة في الاحتفاظ بالثروة داخل
الأسرة،
وصغر السن عند الزواج وما يصاحبه من عدم النضج العاطفي وانفراد
الآباء
بالقرار, كما تحتم التقاليد في بعض القبائل العربية ألا يتزوج
البنت
إلا ابن عمها, فضلا عن عوامل أخرى ترتبط بنشوء هذه الظاهرة
كالعوامل
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مثل تعزيز الأمان والروابط
العائلية,
وسهولة التفاوض على أمور الزواج وتوابعه, واعتباره جزءاً لا
يتجزأ من
تقاليد العائلات, والمحافظة على ممتلكات العائلة والميراث,
وبهذا يعتبر
زواج الأقارب من الظواهر الاجتماعية ذات الارتباط الجذري
بالعادات
والتقاليد التي ينظر لها على أنها مصدر أمان اجتماعي واستقرار
عائلي.
إن قرار زواج الأقاربمن
أهم القرارات في حياة كل شاب وفتاة, وإذا أحسن كلاهما اتخاذ
القرار
يكون قد نجح في تحقيق حياة أسرية سعيدة بقية عمره وإنجاب أطفال
أصحاء
يتمتعون بالعافية والذكاء, فمثلما يورّث الآباء أبنائهم الصفات
الوراثيّة العاديّة مثل لون العينين أو شكل شحمة الأذن، فإنّهم
يورّثونهم أيضا صفات مرضيّة تسبّب إصابتهم بعيوب وعاهات وأمراض
وراثيّة.
ويساهم الزواج
بين الأقارب في زيادة احتمال ظهور العيوب والأمراض الوراثيّة
التي
تحملها صفات متنحّية عند الأجيال، وذلك لأنّ احتمال وجود
الصّفة
المرضيّة لدى كلا الأبوين وارد وكبير لصلة القرابة الموجودة
بينهما.
فزواج الأقارب الشرعي هو علاقة الزواج بين
اثنين تربط
بينهما روابط الدم, وطبقا لمبادئ علم الجينات، فان احتمال حمل
زوجين
قريبين جينيا من نوع واحد, تكون مرتفعة، مما يزيد من احتمال
اكتساب
المواليد جينا وراثيا لمرض نادر ولا يعني بالضرورة حدوث هذا
لكل زوجين
قريبين وكل مولود.
وقد أثبتت الدراسات ارتفاع معدل خطر الإصابة
ببعض
الأمراض الوراثية بين الأطفال من أزواج أقارب من الدرجة
الأولى, أي
أولاد وبنات العم والخال, علاوة على ازدياد نسبة الوفيات بين
هؤلاء
الأطفال.
ويرى الأطباء أن الخطورة في مثل هذا الزواج
تكمن في
الأمراض الوراثية التي يحمل جيناتها الزوج والزوجة، ومع أن
الأمراض من
الممكن أن لا تظهر عليهما, إلا أنها تورث بعد الزواج للأطفال
والأحفاد،
منها التخلف العقلي, والغالكستوسيميا، ومرض الكبد (ويلسون),
إلى جانب
أمراض الدم الوراثية التي تشمل فقر الدم المنجلي, وفقر دم
البحر الأبيض
المتوسط (الثلاسيميا), ومرض الكلية الذي يؤدي للفشل الكلوي,
كما يُعتقد
أن مرض الصرع والأمراض القلبية وأمراض الحساسية وداء السكري
تزداد في
بعض العائلات، وتتضاعف احتمالات توارثها بالتزاوج بين الأقارب.
ولتوضيح الأساس العلمي لانتقال الأمراض
الوراثية من
الآباء إلي الذرية, تتكون المنطقة في الرحم من أمشاج الذكر
والأنثى,
وتحمل تلك الأمشاج العوامل الوراثية من كل من الأب والأم،
وهكذا تنتقل
الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء والأحفاد إلى ما شاء
الله، وكل
ذلك في نظام متقن بديع يدل على قدرة الخالق البارئ المصور
تبارك
وتعالى.
ولا يتغير النظام الوراثي في الإنسان مهما حدثت
من
طفرات وراثية، فهي قد تغير بعض الصفات الخلقية, إلا أنها لا
تؤثر مطلقا
على النظام الوراثي في الخلية البشرية, وتكون العوامل الوراثية
في
معظمها إما سائدة أو منتحية, فالعامل الوراثي السائد هو من له
القدرة
على الظهور والتعبير عن نفسه, بينما لا يستطيع العامل الوراثي
المتنحي
ذلك إلا إذا أجتمع مع عامل وراثي متنح مماثل تماما, حينئذ تظهر
الصفة
الوراثية التي يحملانها معا, وبوجود العوامل الوراثية السائدة
والمتنحية التي تحمل الصفات الوراثية, تظهر تلك الصفات في
الأبناء،
فمنهم من يشبه الأم, ومنهم من يشبه الأب أو العم أو الخال.
ووفقا للنظريات العلمية, فان وجود مرض وراثي في
أحد
الوالدين ينقله عامل وراثي سائد، فإنه يعبر عن نفسه في نسبة
معينة من
الأبناء ولا يظهر في الآخرين, أما في حالة العوامل الوراثية
المتنحية
فلا بد أن تكون موجودة في كل من الأب والأم معا ليظهر المرض في
نسبة
معينة من الأبناء يجتمع لديهم عاملان وراثيان متنحيان ولا يظهر
فيمن
ينتقل إليه عامل وراثي متنح واحد, وهذه العوامل الوراثية
السائدة أو
المتنحية، لا تحمل صفات غير مرغوب فيها أو أمراضا فقط, بل قد
تحمل صفات
مرغوبا فيها أيضا.
وتجتمع
العوامل الوراثية المتنحية في الأقارب في الجين الأول بنسبة 1 :
8،
وتقل هذه النسبة في غير الأقارب, فإذا كان هذا الجين في
المجتمع بنسبة
1 : 1000 فإن احتمال تواجد هذا الجين في أحد الزوجين 1 : 500
وإذا كان
في المجتمع بنسبة 1 : 100، فان احتمال وجود هذا الجين في أحد
الزوجين 1
: 50، وفي كلتا الحالتين تكون نسبة تواجد الجين المتنحي في
الأقرباء
(بنت العم أو العمة والخال والخالة) ثابتة 1 :8، مما يؤكد
خطورة زواج
الأقارب في ظهور الأمراض الوراثية, وخاصة النادرة منها، فإذا
استمر
الزواج بالأقارب جيلا بعد جيل، فإن العوامل الوراثية المتنحية
تجتمع
فيهم أكثر مما هي موجودة في المجتمع من حولهم, فعلى سبيل
المثال, إذا
تزوج الرجل بابنة عمه أو ابنة خاله، وكان كل منهما يحمل نفس
العامل
الوراثي المتنحي لصفة صحية أو مرضية, فإن 25 في المائة من
أبنائهما
ستظهر عليهم تلك الصفة, بينما يحمل 50 في المائة منهم العامل
الوراثي
المتنحي, في حين لا يحمله الـ 25 في المائة الباقون.
أما إذا كانت درجة القرابة بعيدة، فإن احتمال
تواجد
الجينات المماثلة أقل, وبالتالي يكون احتمال حدوث المرض في
الذرية أقل
من هذه النسبة, كأن يكون مثلا 1 : 16 والعكس صحيح, إذا كانت
درجة
القرابة بين الزوجين أقرب كما في بعض المجتمعات الهندية التي
تسمح
بزواج الرجل من بنت أخيه أو أخته, فإن احتمال تواجد الجينات
المماثلة
يكون أكثر, وهذا النوع من الزواج ممنوع في الإسلام.
وأوضح علماء الحياة والوراثة, أن كل خلية جنسية
أي خلية
ذكرية (حيوان منوي)، وخلية أنثوية (البويضة), تحمل (23) من
الصبغيات (
كروموسومات ), لكل منها شكل مميز ويحمل عددا كبيرا من المورثات
(الجينات)
لا يحملها غيره، وهو نصف عدد الكروموسومات الموجودة في الخلايا
الجسدية
الأخرى, وبالتحام هاتين الخليتين يتكون الجنين الذي يحمل (46)
من هذه
الصبغيات، أي 23 زوجا، نصفها من الأب والنصف الآخر من الأم,
وبالتالي
عشرات الآلاف من المورثات مرتبة في أزواج، مجموعة منها موروثة
من الأب
ومجموعة مماثلة موروثة من الأم تحدد الصفات الوراثية للجنين.
ويحدث المرض
الوراثي إذا
كان هناك خلل في تركيب واحد أو أكثر من هذه المورثات, فإذا حدث
الخلل
بمورث واحد وليس بالاثنين معا, سمي المرض سائدا، أما إذا لم
يحدث المرض
إلا بوجود خلل بكلا المورثين يحددان الصفة المعنية, سمي المرض
متنحيا,
أي أنه لابد أن يرث الجنين مورثا معيبا من الأب ومثله تماما من
الأم في
الأمراض المتنحية, الأمر الذي يتزايد إذا كان الأب والأم من
نفس
العائلة.
ويشارك كل إنسان أخاه أو أخته في نصف عدد
المورثات التي
يحملها ويشارك أعمامه وأخواله في ربعها، ويشارك أبناء وبنات
عمه أو
خاله في ثمنها, وبناء على ذلك, إذا كان هناك مورث معيب في أحد
الجدود,
فالاحتمال كبير في أن يشارك الإنسان أبناء العم أو أبناء الخال
في هذا
المورث، وبالتالي فان احتمال أن يتكون جنين مصاب بمرض وراثي
متنحي,
يزيد عند زواج الأقارب عنه في زواج الأباعد.
لذا, لا ينصح كثير من علماء الوراثة بالزواج من
الأقارب
على اعتقاد أن زواج الأقارب ينقل الأمراض الوراثية من الآباء
إلى
الذرية أكثر مما هو في زواج الأباعد, ومن هنا نشأت قاعدتان من
قواعد
علم الوراثة الكثيرة تشيران مباشرة إلى معاني الأحاديث الشريفة
الواردة
في الأثر الإسلامي عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم, مثل
الحديث
القائل : "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس"، و"اغتربوا لا
تضووا", أي
تزوجوا الأغراب حتى لا تضعف الذرية, تم استنباطهما من نتائج
تجارب
التزاوج بين الحيوانات, وكذلك من تجارب تلقيح النبات, وهما
ضرورة تباعد
مصدر المورثات في التزاوج، قوى النتاج, وثانيا، أن المرض
الوراثي
المتنحي يظهر في النتاج باحتمال واحد من أربعة في كل مناسبة,
إذا حمل
كل من الأب والأم نفس المورث المعيب، ويتزايد احتمال أن يحمل
كل من
الأب والأم نفس المورث المعيب، كلما زادت درجة القرابة بينهما.
تعتمد خطورة
زواج
الأقارب في نقل الأمراض الوراثية الناتجة من عاملين وراثيين
متنحيين,
على نسبة انتشار العامل الوراثي المرضي المتنحي في المجتمع،
فكلما كانت
هذه النسبة أقل في المجتمع، كان زواج الأقارب يسبب نسبة أعلى
من تلك
الأمراض الوراثية المحدودة والمعينة من زواج الأباعد.
ومن أهم الأمراض الوراثية التي تنتقل في زواج
الأقارب,
مرض الأنيميا المنجلية الذي ينتشر في إيطاليا وصقلية وكينيا,
ومرض
الفاقة البحرية الذي يتواجد في منطقة كبيرة من العالم تمتد من
جنوب شرق
آسيا وغربا حتى جنوب أوروبا وتشمل كل جنوب شرق أسيا والهند
والباكستان
وإيران وأفغانستان وشمال الجزيرة العربية وكل حوض البحر الأبيض
المتوسط, ونقص التعظيم الغضروفي، ومرض الحويصلات المتعددة
بالكلية,
ومرض زيادة الحديد بالدم، ومرض عدم اكتمال التكون العظمي,
والتليف ذو
الحدبات، وتناذر ديوبين جونسون، وضمور عضلات الوجه والكتفين,
وداء
جيلبرت، وكورياهندنجكتون أو داء الرقص، وتناذر مارفان، إضافة
إلى مرض
التوتر العضلي الخلقي, وداء الأورام العصبية الليفية, ومرض
تعدد
الأورام البوليبية بالقولون, وداء الغرفيرين الحاد المتقطع,
وأمراض
الدم الوراثية, وهناك أمراض وراثية ليس لها علاقة بزواج
الأقارب, مثل
الأمراض الناتجة من اختلاف العامل الرايزيسي بين الزوجين, وخلل
الكروموسومات الذي يسبب الطفل المغولي ومرض تيرنر ومرض
كلاينفلتر
وغيرها.
وهناك أيضا أمراض وراثية مثل مرض النزف الدموي
(الهيموفيليا)،
ومرض عمى الألوان, هي أمراض وراثية تحدث في الذرية ومرتبطة
بالجنس،
بمعنى أن الأم سواء كانت قريبة للزوج أو غير قريبة تحمل عامل
المرض،
ولكنها لا تعاني منه وتنقله إلى أولادها الذكور، فيظهر عليهم
المرض,
أما البنات فيحملن المرض ولا يظهر عليهن, ويمكن الوقاية من هذه
الأمراض
بالتخير الوراثي, أي الاستشارة الوراثية قبل الزواج, إضافة إلى
مجموعة
أخرى من الأمراض التي تظهر نتيجة تجمع مجموعة من العوامل
الوراثية،
ويطلق عليها اسم الأمراض متعددة الأسباب, مثل مرض السكري
وارتفاع ضغط
الدم وقرحة المعدة وتصلب الشرايين.
ويشكل زواج الأقارب نسبة كبيرة
من الزيجات في البلاد العربية والإسلامية, فقد قدرت الدراسات
المحلية
والإحصاءات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء
الفلسطيني
لعام،1997 أن معدل انتشار هذه الظاهرة في فلسطين هو 49 في
المائة,
وتكاد تكون هي النسبة الأعلى بين الدول العربية والإسلامية
المجاورة,
إلا أن هذه النسب تكاد تختفي في دول أخرى مثل أوروبا حيث لا
تزيد
النسبة فيها على 1-2 في المائة, وفي بعض الولايات الأمريكية لا
يسمح
بزواج أولاد العم والعمة أو الخال والخالة .
وكشفت المسوحات الطبية في فلسطين أيضا, أن نسبة
الزواج
المبكر لأقل من 18 عاماً، هي الأعلى بين الأزواج الأقارب, وأن
نسبة
الزواج من أقارب الدرجة الأولى وصلت إلى 60.2 في المائة من
إجمالي زواج
الأقارب, ونسبة الحمل الإجمالية بين الأمهات المتزوجات لأقارب
أعلى
منها بين غير الأقارب.
ويصعب معرفة وحصر الأمراض الوراثية المنتشرة في
الوطن
العربي نتيجة شح المعلومات الدقيقة والموثقة عن هذه الأمراض,
كما أن
نسبة انتشارها تختلف من دولة إلى أخرى, إلا أنها تقسّم بشكل
عام إلى
أمراض الدم الوراثية كفقر الدم المنجلي وفقر دم البحر المتوسط
وأنيميا
الفول, وأمراض الجهاز العصبي كمرض ضمور العضلات الجذعي وأمراض
ضمور
العضلات باختلاف أنواعها وضمور المخ والمخيخ, وأمراض التمثيل
الغذائي
المعروفة بالأمراض الاستقلابية أو الأيضية, التي تنتج بسبب نقص
أنزيمات
معينة, وأمراض الغدد الصماء، خاصة أمراض الغدة الكظرية والغدة
الدرقية,
حيث تنتقل معظم هذه الأمراض بالوراثة المتنحية التي يلعب زواج
الأقارب
دورا كبيرا في زيادة أعدادها.
وعلى الصعيد ذاته, بينت دراسة ميدانية لحالات
الزواج
بالكويت سنة،1983 أن نسبة زواج الأقارب بصفة عامة زادت عن 40
في
المائة, وتشكل الزيجات بين أبناء وبنات الأعمام أو الأخوال في
السنوات
الأخيرة أكثر 25 في المائة من جميع الزيجات في المجتمع.
وأظهرت المسوحات أن نسبة حدوث الولادات المبكرة
وظهور
بعض الأمراض الوراثية كانت أعلى في زيجات الأقارب عنها في
زيجات
الأباعد, وكان متوسط وزن المولود في زيجات الأقارب أقل منه في
زيجات
الأباعد.
وبلغت عدد حالات الضعف العقلي فيما يعرف بالطفل
المنغولي, الذي ينتج عن خلل في انقسام الصبغيات، 14 حالة بين
3989 زيجة
بين الأقارب، مقابل ست حالات بين 7463 زيجة بين الأباعد, مما
يدل على
أن هذه الحالة تتأثر بمورث متنحي، وعلى ذلك يزيد حدوثها بين
زيجات
الأقارب.
وفي مصر, أظهرت دراسة ميدانية أجريت عام 1983
أن زواج
الأقارب يشكل 38,96 في المائة من حالات الزواج، فيما أثبتت
الدراسات
السعودية أن 73 في المائة من حالات استسقاء الدماغ واعتلالات
الجهاز
العصبي في الأطفال حديثي الولادة, ترجع إلى الزواج بين الأقارب
وتعدد
الحمل.
وأوضح الخبراء في كلية الطب بجامعة الملك سعود
بالرياض,
أن الاستسقاء الدماغي يعد أحد اكثر اعتلالات الجهاز العصبي
لحديثي
الولادة, كون حجم السائل المفرز من داخل تجاويف المخ والمسؤول
عن
تغذيته, يكون أكثر من الكمية الممتصة, مما يتسبب في ارتفاع
الضغط داخل
المخ, ينتج عنه إما إصابة المولود بالتخلف العقلي, أو عدم
القدرة على
الحركة, أو الوفاة.
وقد تبين بعد تشخيص 26 حالة, أن 1.6 من كل ألف
مولود
مصاب بالمرض, شكلت نسبة زواج الأقارب فيها نحو 73 في المائة,
وتراوحت
أعمار الأمهات ما بين 18 و40 عاماً, حملت 81 في المائة منهن
أكثر من
مرتين, وكانت الحالة الاجتماعية عند 45 في المائة منهن متدنية,
و35 في
المائة عالية, و12 في المائة يمثلون عائلات راقية, مما يشير
إلى أن
زواج الأقارب وتعدد الحمل, من أهم أسباب الحالات المصابة.
وأوضحت الدراسات المتعلقة بالموضوع أن هناك
آلاف
الأمراض قد تنتج عن زواج الأقارب, ولا تزال هناك عادات شرقية
وتقاليد
تطالب بزواج الأقارب, وتنتج عنه أمراض عديدة أهمها أمراض الدم
الوراثية
التي تشكل في بعض الدول العربية كالسعودية مثلاً، مشكلة صحية
واجتماعية
وإرهاقاً للموارد المخصصة للقطاع الصحي، إضافة إلى معاناة
المصابين
بهذه الأمراض, حيث أن جينة الانيميا المنجلية موجودة لدى 20 -
30 في
المائة من سكان المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية,
مما يؤدي
إلى وجود مرضى يعانون من فقر الدم المنجلي بنسبة 1.5- 2 في
المائة من
السكان.
وتنبأ الباحثون أن نسبة الإصابة بهذا المرض بعد
25 سنة
قد تصل إلى 50 في المائة, وبعد 50 سنة إلى 85 في المائة, حسب
الدراسات
والأبحاث العلمية الخاصة بموضوع فقر الدم المنجلي, وتشير
التقديرات في
منطقة الإحساء, إلى أن هناك طفلاً مصاباً كل 16 ساعة، و16
طفلاً حاملاً
للمرض كل يوم، وهذا يعني أن 548 طفلاً يصاب سنوياً, تقدر تكلفة
علاجهم
سنوياً بعشرة ملايين ريال سعودي, إضافة إلى المصابين بفقر الدم
المنجلي
الموجودين حالياً والذي يقارب عددهم 25 ألف مصاب في المنطقة.
وأفادت الإحصاءات العالمية والمحلية أن أعلى
معدلات
الإصابة بأنيميا البحر الأبيض المتوسط المعروفة بالثلاسيميا
الوراثية
تقع في الدول الواقعة في حوض البحر الأبيض المتوسط, ويزداد
احتمال وفرص
ظهورها بين الأطفال من أزواج أقارب والحاملين لجينات هذا
المرض, وأن
أعلى نسبة للحالات المرضية المرتبطة بالحمل مثل فقر الدم وتسمم
الحمل
والنزيف, وزيادة العمليات القيصرية, كانت بين الأمهات
المتزوجات من
أقاربهن.
وأشارت إلى أن معدلات الوفيات بين الأطفال
الأقل من خمس
سنوات كانت الأعلى بين المتزوجين من أقاربهم, فضلا عن أن نسبة
المشكلات
الوراثية والأمراض الخلقية مثل أمراض القلب, انزلاق مفصل الحوض
الحلقي,
الصمم, أنيميا البحر المتوسط, التشنجات غير حرارية السبب,
علاوة على
نقص وزن المولود عند الولادة, كانت أعلى بين أطفال الأزواج
الأقرباء من
الدرجة الأولى.
وتوقعت دراسات إحصائية أن يصاب طفل واحد من كل
25 طفلا
بمرض وراثي ناتج عن خلل في الجينات أو بمرض له عوامل وراثية
خلال الخمس
وعشرين سنة من عمره، وأن يصاب طفل واحد لكل 33 حالة ولادة لطفل
حي بعيب
خلقي شديد, وقد يصاب نفس العدد بمشكلات تأخر في المهارات
والتخلف
العقلي, بحيث يتوفى تسعة من هؤلاء المصابين بهذه الأمراض مبكرا
أو
يحتاجون إلى البقاء في المستشفيات لمدة طويلة أو بشكل متكرر,
مما ينجم
عنها تبعات مادية واجتماعية ونفسية عظيمة ومعقدة على الأسرة
وبقية
المجتمع.
ورغم خطورة الأمراض الوراثيّة وآثارها
السّلبيّة على
الفرد والمجتمع، فإنّ الوقاية منها وتفادي ظهورها وانتشارها
ممكن، شرط
الوعي بضرورة ذلك, وبناء على أن "الوقاية خير من العلاج", دعا
الأطباء
إلى ضرورة تبني الاستشارات الوراثية قبل الزواج وقبل الحمل،
واعتماد
التثقيف الصحي فيما يخص زواج الأقارب, كجزء من برنامج الصحة
الإنجابية
في المدارس الإعدادية والثانوية, ودعم صناع القرار وأرباب
السياسات
والمؤسسات المؤثرة لبرنامج الصحة الإنجابية, مع دمج هذه الخدمة
ضمن
خدمات تنظيم الأسرة والرعاية الأولية.
ويوصي الاختصاصيون جميع الشباب والفتيات
المقدمين على
الزواج, بالحصول على استشارات أولية قبل الزواج وقبل الحمل،
وخصوصا
الأقارب من الدرجة الأولى, بهدف بناء أسرة سعيدة متوافقة صحيا
ونفسيا
واجتماعيا.
وتتركز أفضل طرق الوقاية من الأمراض الوراثية
في فحوصات
ما قبل الزواج التي تساعد في التنبؤ عن احتمال إصابة الذرية
بمرض وراثي
إلى حد ما، عن طريق فحص الرجل والمرأة, وبحسب نوع المرض يمكن
الحديث عن
إمكانية تفادي حدوثه أم لا.
وأوضح هؤلاء أن احتمال الإصابة بالأمراض
الخلقية عند
المتزوجين من أقاربهم أعلى منه عند المتزوجين من الغرباء,
وتزداد نسبة
هذه الأمراض كلما زادت درجة القرابة, فوراثياً لدى كل إنسان،
بغض النظر
عن عمره أو حالته الصحية, حوالي 5 - 10 جينات معطوبة (بها
طفرة), وهذه
الجينات المعطوبة لا تسبب مرضا لمن يحملها لان الإنسان دائما
لديه نسخة
أخرى سليمة من الجين, ولكن عند زواج طرفين لديهما نفس الجين
المعطوب،
فان أطفالهما قد يحصلون على جرعة مزدوجة من هذا الجين المعطوب
(أي أن
الأب يعطي جينا معطوبا والأم أيضا تعطي نفس الجين المعطوب)،
وهنا تحدث
مشكلة صحية على حسب نوع هذا الجين، وبما أن نوع الجينات
المعطوبة غالبا
ما يتشابه بين الأقارب، فهناك احتمال كبير أن يكون أبناء العم
والعمة
والخال والخالة لديهم نفس الجينات المعطوبة, ولو تزوج أحدهم من
الآخر
فهناك خطر على ذريته.
ولأن المجتمعات العربية بشكل عام تعد من أبرز
المجتمعات
التي يشيع فيها زواج الأقارب ضمن نطاق القبيلة, أو العشيرة, أو
العائلة
والأسرة الواحدة, فقد أوصت جامعة الدول العربية بالفحص الطبي
قبل
الزواج, وسنت بعض الدول العربية أنظمة لتطبيق الفحص قبل
الزواج, فبقيت
اختيارية في كل من السعودية والبحرين والإمارات، بينما فرض في
الأردن
نظاما يجبر كل من يريد الزواج بالفحص الطبي قبل عقد القران
كإجراء
تحذيري ووقائي.
وتؤكد جميع الدراسات والأبحاث
على
ضرورة إجراء فحص مخبري للزوجين قبل الزواج, وذلك لأن الحياة
الزوجية
يمكن أن تؤدي إلى إصابة أحد الطرفين بمرض معدٍ في حالة كون
الطرف الآخر
يحمل مرضا معينا, كالأمراض الجنسية أو المعدية مثلا, فتكمن
أهمية هذه
الفحوصات في التأكد من عدم وجود أمراض مثل التهاب الكبد
الفيروسي من
نوع (B) و(C)، والزهري والإيدز, ولكنها لا تقف بالضرورة عائقاً
أمام
الزواج, إذ إن وظيفة الطبيب فقط شرح واقع المرض وإمكانية
العدوى وشرح
وسائل الوقاية من الإصابة بالعدوى في حالة وجود وسائل فعالة.
ويرى الأطباء أن الفحوصات الوراثية لما قبل
الزواج التي
تتعلق بالزوجين حاملي المرض ولكن لا يعانيان من أي أعراض
مرضية, تحدد
ضرورة العلاج الجيني في حال رغبة الزوجين في إتمام الزواج على
الرغم من
وجود مخاطر في إنجاب أطفال يعانون من أمراض معينة مثل أمراض
الدم
الوراثية، ففي حالة كون الزوجين يحملان المرض نفسه فهناك
احتمال بنسبة
25 في المائة في إنجاب أطفال يعانون من المرض, و75 في المائة
في إنجاب
أطفال لا يعانون من أمراض حتى ولو كانوا يحملون المرض إلى
الأجيال.
واستناداً إلى هذه المعلومات,
وانطلاقاً من التقدم الطبي في تشخيص الأمراض جينياً في الأجنة,
فإن
العلم يستطيع تشخيص ما إذا كان الجنين مصاباً أو حاملاً للمرض
أو
سليماً بنسبة مائة في المائة، وذلك في مراحل مبكرة من الحمل
ويترك
القرار للزوجين في إتمام الحمل أو عدمه, وتشمل فحوصات الزواج,
الأمراض
المعدية بالإضافة إلى إمكانية علاجية وقائية فيما يتعلق ببعض
الأمراض,
ففي حالة كون أحد الزوجين مصاب بالتهاب الكبد الفيروسي من نوع
(B) يمكن
إتمام الزواج دون مشكلات وذلك بعد تطعيم الطرف الآخر ضد هذا
المرض.
ويساعد تطبيق نظام الفحص الوراثي في قطاعات
عريضة من
المجتمع، خاصة التي تعاني من هذه الأمراض في مناطق مختلفة من
العالم
العربي والشرق الأوسط بالذات, على معرفة وجود جينة وراثية
متنحية لدى
أحد الزوجين أو كليهما, وإعطاء مشورة وراثية بعد التأكد من
وجود هذه
الجينات المعتلة, فيما يتعلق باحتمالات نقل الصفة المرضية إلى
الأطفال
الذين يولدون من هذا الزواج, كما يحدث في حالات تكسر الدم، وهو
أحد
أكثر الأمراض خطورة على الطفل, فإذا كان الأبوان مصابين به
يزيد احتمال
توريثه للطفل بحوالي 50 في المائة, ويضطر الأطباء إلى نقل دماء
جديدة
للطفل في حال ولادته مصابا، كل ثلاثة أشهر تقريباً.
ومن أهم التحاليل الطبية للمقبلين على الزواج,
تحليل
عامل الدم الرايزيسي، الذي يعتبر مهم جدا سواء بالنسبة للأقارب
أو لغير
الأقارب, فتضارب الفصائل يؤدي إلى العديد من المشكلات التي
تنعكس على
الأطفال كالاضطرابات الناتجة عن تضارب زمرة دم الأم مع وليدها,
فعندما
تكون زمرة دم الأم سالبة والأب موجبة, فالافتراض أن يحمل الطفل
زمرة
دماء والده، فيحدث عند الولادة أن تختلط بعض القطرات من دماء
الطفل مع
دماء الأم وتؤدي إلى ردة فعل من جسم الأم الذي يبدأ ببناء
أجسام مضادة
للدماء الغريبة التي تسربت إليه, ولكن لا خوف على الطفل الأول
الذي
ولد، إلا أن الخطر يهدد الطفل الثاني، حيث يستمر جسم الأم
بتكوين هذه
المضادات بعد الولادة وتدخل فيما بعد إلى دماء الطفل الثاني
لتدمر
خلايا دمه, لذا يتم إعطاء الأم مصلاً يقوم بتدمير أي خلايا
حمراء سالبة
دخلت إلى جسدها من دماء الطفل, وذلك قبل أن تبدأ بإنتاج
الخلايا
المضادة لتفادي الخطورة المحتملة على الطفل الثاني, أو أن يتم
تغيير دم
الطفل الثاني عند ولادته.