ما معنى أن الله يضل من
يشاء؟
اعترض الجاهلون على ما ورد في كتاب الله تعالى من آيات بينات تفيد أنه
تعالى يضل من يشاء و يهدى من يشاء ، و ظنوا بجهلهم أن ذلك ظلماً و إجباراً
للناس على سلوك سبيل الغي! و امتد الاعتراض ليشمل إنكار أن الله تعالى هو
خالق الشر!
بعد الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله:
أولاً: بادئ ذي بدء نذكر بعض النصوص من الكتاب المدعو مقدساً لعلها ترفع
الغشاوة عن أعين الحاقدين:
(( وَلَكِنِّي أُقَسِّي قَلْبَ فِرْعَوْنَ وَأُكَثِّرُ آيَاتِي
وَعَجَائِبِي فِي أَرْضِ مِصْر َ)) خروج 3:7
(( وَكَانَ مُوسَى وَهَارُونُ يَفْعَلاَنِ كُلَّ هَذِهِ الْعَجَائِبِ
أَمَامَ فِرْعَوْنَ. وَلَكِنْ شَدَّدَ الرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ فَلَمْ
يُطْلِقْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِه )) خروج 10:11
(( وَلكِنْ لمْ يُعْطِكُمُ الرَّبُّ قَلباً لِتَفْهَمُوا وَأَعْيُناً
لِتُبْصِرُوا وَآذَاناً لِتَسْمَعُوا إِلى هَذَا اليَوْم ِ)) التثنية 4:29
(( غَلِّظْ قَلْبَ هَذَا الشَّعْبِ وَثَقِّلْ أُذُنَيْهِ وَاطْمُسْ
عَيْنَيْهِ لِئَلاَّ يُبْصِرَ بِعَيْنَيْهِ وَيَسْمَعَ بِأُذُنَيْهِ
وَيَفْهَمْ بِقَلْبِهِ وَيَرْجِعَ فَيُشْفَى )) اشعيا10:6
(( فَإِذَا ضَلّ النَّبِيُّ وَتَكَلَّمَ كَلاَماً فَأَنَا الرَّبَّ قَدْ
أَضْلَلْتُ ذَلِكَ النَّبِيَّ, وَسَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْهِ وَأُبِيدُهُ
مِنْ وَسَطِ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. )) حزقيال 9:14
(( وَلأَجْلِ هَذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ، حَتَّى
يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ )) 2تسالونيكى 1:2
(( لِمَاذَا أَضْلَلْتَنَا يَا رَبُّ عَنْ طُرُقِكَ قَسَّيْتَ قُلُوبَنَا
عَنْ مَخَافَتِكَ؟ ارْجِعْ مِنْ أَجْلِ عَبِيدِكَ أَسْبَاطِ مِيرَاثِكَ.
))اشعياء 17:63
(( وَقَالَ: [فَاسْمَعْ إِذاً كَلاَمَ الرَّبِّ: قَدْ رَأَيْتُ الرَّبَّ
جَالِساً عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَكُلُّ جُنْدِ السَّمَاءِ وُقُوفٌ لَدَيْهِ
عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ. ،فَقَالَ الرَّبُّ: مَنْ يُغْوِي أَخْآبَ
فَيَصْعَدَ وَيَسْقُطَ فِي رَامُوتَ جِلْعَادَ؟ فَقَالَ هَذَا هَكَذَا
وَقَالَ ذَاكَ هَكَذَا. ،ثُمَّ خَرَجَ الرُّوحُ وَوَقَفَ أَمَامَ الرَّبِّ
وَقَالَ: أَنَا أُغْوِيهِ. وَسَأَلَهُ الرَّبُّ: بِمَاذَا؟ ، فَقَالَ:
أَخْرُجُ وَأَكُونُ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ.
فَقَالَ: إِنَّكَ تُغْوِيهِ وَتَقْتَدِرُ. فَاخْرُجْ وَافْعَلْ هَكَذَا.
،وَالآنَ هُوَذَا قَدْ جَعَلَ الرَّبُّ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ
أَنْبِيَائِكَ هَؤُلاَءِ، وَالرَّبُّ تَكَلَّمَ عَلَيْكَ بِشَرٍّ].
))1ملوك 19:22-23
بل و نجد المسيح قد جعلوه يتكلم بالأحاجي ليضل و يخدع من ليسوا من بنى
إسرائيل (( فَقَالَ لَهُمْ: «قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا سِرَّ
مَلَكُوتِ اللَّهِ. وَأَمَّا الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ فَبِالأَمْثَالِ
يَكُونُ لَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ لِكَيْ يُبْصِرُوا مُبْصِرِينَ وَلاَ
يَنْظُرُوا وَيَسْمَعُوا سَامِعِينَ وَلاَ يَفْهَمُوا لِئَلاَّ يَرْجِعُوا
فَتُغْفَرَ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ )) مرقس11:4، 12
ثانياً: هناك أربع مسائل أساسية تتعلق بالرب جل في علاه لا ينكرها إلا جاحد
و هي كالآتي :
أ- الخلق: أن الله تعالى هو الخالق الأوحد لكل شيء في الوجود و كل ما دونه
سبحانه مخلوق من مخلوقاته داخل في ملكوته و من قال أن الله تعالى لم يخلق
الشيطان أو المرض أو الموت أو الظلام فقد سقط من حيث أراد الارتقاء لأنه
أثبت خالقاً مع الله أو موجوداً مصاحباً لوجوده سبحانه و هم بذلك كانوا
كالمجوس الذين أثبتوا خالقين أحدهما للخير و الأخر للشر لذا قال رسول الله
(ص): "القدرية مجوس هذه الأمة" و القدرية هم الذين يتحدثون في القدر و
ينكرونه و العياذ بالله ، و يشاركهم النصارى هذه الجهالة
و لنقرأ قول الله تعالى (( ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ
هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيل
ٌ)) و قوله سبحانه (( هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُون َ))
وقوله عز و جل (( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ )) .
و لنقرأ أيضاً ما يوجد في كتب النصارى (( مُصَوِّرُ النُّورِ وَخَالِقُ
الظُّلْمَةِ صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرِّ. أَنَا الرَّبُّ
صَانِعُ كُلِّ هَذِه ِ)) اشعيا 7:45 .
ب- العلم: أن الله تعالى عالم الغيب و الشهادة و هو العليم الحكيم يعلم ما
كان و ما سيكون و ما لم يكن لو كان كيف يكون ، يقول سبحانه (( فَإِنَّهُ
يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى )) و يقول عز و جل (( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ
الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ
فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ
مُّبِينٍ )) و يقول تعالى (( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ
الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)) و آيات أخرى لا تحصى في بيان علم الله الذي هو من
صفات كماله و قد علم الله أنه سيكون في الأرض شراً و مرضاً و خبثاً من
شياطين الإنس و الجن و لكن حكمته سبحانه اقتضت وجود ذلك كله و لننظر للحوار
الإلهي مع الملائكة حين خلق الله أدم (( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ
لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ
أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ
نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ
تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى
الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ
صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا
عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ* قَالَ يَا آدَمُ
أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ
أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ )) .
ج- الكتابة: أن الله تعالى كتب كل ما هو كائن منذ الأزل و دلت على ذلك آيات
كثر كقول الله تعالى ((وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ )) و قوله
سبحانه (( وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ
يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ )) ....... و نقرأ كذلك في كل موضع من
الأناجيل أن كل ما حدث للمسيح من ألم و عذاب هو أمر مكتوب و لا بد أن يتم
منذ لحظة ميلاده حتى لحظة صلبه المزعوم فنقرأ مثلاً في يوحنا 28:19- 30((
بَعْدَ هَذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ فَلِكَيْ
يَتِمَّ الْكِتَابُ قَالَ: «أَنَا عَطْشَانُ». وَكَانَ إِنَاءٌ مَوْضُوعاً
مَمْلُوّاً خَلاًّ فَمَلَأُوا إِسْفِنْجَةً مِنَ الْخَلِّ وَوَضَعُوهَا
عَلَى زُوفَا وَقَدَّمُوهَا إِلَى فَمِهِ. فَلَمَّا أَخَذَ يَسُوعُ
الْخَلَّ قَالَ: «قَدْ أُكْمِلَ». وَنَكَّسَ رَأْسَهُ وَأَسْلَمَ
الرُّوحَ)) .
د-المشيئة: أن مشيئة الله نافذة فما شاء الله كونه فهو كائن لا محالة و ما
لم يشأ فلا يكون أبداً لأنه لا مشيئة فوق مشيئة الرب ، و نحن نفصل في هذا
الصدد بين الإرادة الشرعية و الإرادة الكونية القدرية:
الإرادة الشرعية: هو كل ما أمر الله به و هو يرضاه سبحانه و يكلف به عباده
كقوله تعالى (( قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ
أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ
تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ
وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا
بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ
بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )) و قوله عز
و جل (( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء
سَبِيلاً )) ...
الإرادة الكونية القدرية: و تتضمن ما قدر الله تعالى وقوعه ولا يقع إلا
بإذنه فهي الإرادة الشاملة لجميع الموجودات التي يقال فيها: ما شاء الله
كان و ما لم يشأ لم يكن و هي تشمل ما يرضاه الله شرعاً و ما لا يرضاه
سبحانه شرعاً و ما لا يرضاه كما لو وقع الزنى أو الكفر من بعض الناس فإنه
لا يأمر بها و لا يرضاها إذ هو لا يأمر بالفحشاء و لا يرضى لعباده الكفر
ولولا مشيئته الكونية و قدره لما كان لها وجود لذا كان باطلاً الاحتجاج
بالإرادة الكونية لتبرير الإصرار على الكفر أو المعصية (( سَيَقُولُ
الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا
وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم
حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ
لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ
)) .
__________________
لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ
فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ
وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ .
رب توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين