ومما يجب أن يلم به المربي أثناء تعامله مع الطفل خاصة عندما يريد توصيل
مادة علمية أو معلومة معينة له هو إجادة كيفية توصيل هذه المادة وتلك
المعلومة، وكيف سيستوعبها الطفل لا سيما في هذه المرحلة والتي يدرك فيه
الطفل المعاني المجردة المعنوية كالملائكة والحرية والحب، ولذلك فإن هناك
أساليب لتشويق الطفل أثناء الحديث معه ينبغي أن يلم بها كل مربٍّ: أب أو أم
أو معلم ومنها:
1. الأغنية: فأغنية " الله أكبر بسم الله " والتي تقول:
الله أكبر بسم الـــله
الله أكبر بسم الـــله
الله أكبر بسم الـــله
الله أكبر بسم الـــله
***
إسلامنا دينا يعلمــنا
قبل الطعام نغسل إيـدنا
ونقول جميعاً بسـم الله
اللي رزقنا وأكلـــنا
***
علمنا بعد الأكل نقـــول
الحمد لله كده على طـول
متعيش في الأكل المعـمول
إن كان كباب أو حبة فول
***
علمنا إن أحنا نصـــلى
ونحب كل اللي يصـــلي
عرفنا اللي ما بيصلــيش
عنده في مخه تــــر للي
***
علمني أبقى أنا شطــورة
أرفع حديد والعب كــورة
إسلامنا قال أنا أبقى حـديد
جسمي ما يبقاش قعبــورة
***
علمنا نقرا في مصحفـــنا
كلام إلهنا اللي خلقـــــنا
مش بس نقرا نعمل بـــيه
ونشيله دايماً في قلوبـــنا
***
فهذه الأغنية تثير الطفل وتشوقه وتجعل وصول المعلومات إليه سهلاً وتثبتها
عنده وتحببه في موضوعها. وسيأتي الحديث عن الغناء مفصلاً في موضع آخر من
هذا الكتاب.
2. تغيير حركات الوجه ونبرات الصوت: فابتسامة ثم تجهم سريع فإشارة باليد
مع غمض للعينين ثم فتحهما وضرب باليد على الأرض ورفع للصوت تارة وخفضه
أخرى، وكذلك الإشارة بالعصى والضرب بالرجل على الأرض والتحرك أثناء الحديث
أو المشى أو الجرى. كل ذلك يثير الانتباه.
3. التشبيه: فعندما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتحدث عن الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر أتى بمثال فيه تشبيه فحكى أن قوماً ركبوا سفينة
استهموا (اقترعوا) فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها
إذا أرادوا الماء صعدوا لمن فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً
فلم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً، وإن أخذوا
على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً.
فمن يشبه الوقت بالسيف ويقول: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. ومن يشبه
الضعيف بالفراشة والطويل بالزرافة والشجاع بالأسد والبدين بالفيل والنحيف
بالعصا والمقلد بالببغاء والذي يمشي وحده ويجلس وحده مثل الشاة التي سارت
بعيدة عن قطيع الغنم فأكلها الذئب، فدائماً لا بد من البحث عن تشبيه
للموضوع الذي يكون الحديث فيه مع الطفل لأن المثال والتشبيه هو الذي ينطبع
في الذهن ولا ينسى إلى جانب ما يُحدثه من إثارة وانتباه تساعد على توصيل
المعلومة.
4. الأسئلة: فقد كان يستخدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً
فيقول: أتدرون من المفلس ؟ أتدرون ما حق الجار ؟ أو لا أدلكم على شيء إذا
فعلتموه تحاببتم ؟ أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس
مرات، هل يبقي من درنه شيء ؟ فنقول للطفل – مثلاً- عند الحديث عن الصلاة:
هل تريد أن تدخل الجنة وتأكل شيكولاته وحماماً مشويا وعسلاً ؟ إذن صلِّ لأن
الذي يصلي يدخل الجنة.
ويقال له عندما يكذب: هل تحب أن أكذب عليك ؟ هل تحب أن تدخل النار وتشوى
فيها مثل اللحم ؟ وعندما يضرب أصغر منه تقول: هل تسمح لي أن أضربك كما
ضربته ؟
5. التغنى بالكلام العادي: يثير الانتباه ويشوق للموضوع إلى جانب ما
يعطيه للطفل من راحة لأذنيه وتهيئته للاستماع للموضوع المراد التحدث فيه
معه، فالتغنى يحول الكلام العادي الجامد إلى كلام خفيف سهل الاستيعاب.
6. القصة والرواية: وهي من أهم أساليب الإثارة والتشويق إذ تظل القصة
عالقة في الذهن ولا تنسى وتكون سبباً في تذكر الموضوع الذي حكيت فيه والحب
لقائلها وللمكان الذي قيلت فيه، وستجد لهذا الموضوع تفصيلاً فيما بعد بإذن
الله.
7. مقدمة شيقة للموضوع قبل الدخول فيه: فرسول الله صلى الله عليه وسلم
يحض المسلمين على عدم المعصية وعلى طاعة الله فيقول: " كل أمتي يدخل الجنة
إلا من أبى (رفض)! قيل: ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال: من أطاعني دخل الحنة
ومن عصاني فقد أبى ". فنقول للطفل- مثلاً- عند الحديث عن العقيدة: الذي خاف
الله اليوم سوف أعطيه هدية، فعندما يتسائلون تقول لهم: الذي صلى اليوم خاف
من الله ثم تدخل في الموضوع بعد ذلك بعد أن هيأتهم للتلقى بإثارة وتشويق،
وعندما تريد أن تتحدث معهم عن خُلق الصبر- مثلاً- تقول: ماذا تفعل لو أن
رجلاً دخل المسجد ونحن فيه وتبول في ركن منه، فعندما تتعدد إجابتهم توضح
لهم حلم وصبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأعرابي الذي فعل هذا في
المسجد النبوي وكاد الصحابة أن يضربوه فقال لهم: دعوه وأريقوا على بوله
سجلاً من ماء. أي اتركوه يكمل تبوله ثم ضعوا عليه الماء ليطهره.
8. نهاية شيقة للموضوع قبل الخروج منه: وذلك حتى ينتظروا حديثك في المرة
القادمة بشغف ويكثر هذا عند حكايات القصص والروايات فتقول لهم: نتوقف عند
هذا الحد ونكمل في المرة القادمة إن شاء الله فتجدهم يلحون عليك في استكمال
القصة ولكنك طبعاً لن تستجيب لهم لينتظروك غداً بعقول واعية وآذان متفتحة.
9. الخطأ المتعمد: يثير الأذهان فالكلمة المرفوعة النحو تقول: هذه مجرورة
أم منصوبة ؟ وسرعان ما توضح لهم الخطأ وتقول: إنها مرفوعة بعد أن تكون قد
اثرت انتباههم.
10. الأمثلة: فبالمثال يتضح المقال، وكلما أعطيت مثالاً شيقاً كلما زادت
إثارة الذهن فمن يشرح العلوم يمثل التفاعلات بصوت المياه الغازية ومن يشرح
درس الصفة مثلاً يمثل لها بقوله: البطة الزلبطة- الفيل التخين، ومن يشرح
الأعداد في الحساب يمثل لها بأصابع اليد والرجل وغير هذا مما يثير الذهن.
11. التخطيط والرسم الكاريكاتيري والصور تسهل في توصيل المعلومة، كما كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فعندما يشرح قول الله تعالى: " ولا
تتبعوا السبلَ فتفرّق بهم عن سبيله " ( الأنعام: الآية 153)، تجده يخط
طريقاً رئيسياً ويبين أن هذا الخط الرئيسي هو سبيل الله وعن يساره ويمينه
خطوط هي سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها ( أي هي طرق الغواية) ومثل
ذلك يفعله المدربون في كرة القدم مثلاً فالتخطيط على الورق أو على سبورة
بالرسم والصور وغيرها يثير الذهن فيسهل توصيل المعلومة، ويستغل ذلك في شرح
الغزوات فمثلاً غزوة أحد يمكن رسم جبل أحد.. وفوقه الرماة والمسلمون من
أسفل والمشركون أمامهم والرماة المسلمون يضربونهم ثم ترسم مجموعة من
الغنائم يجمعها المسلمون ويأتي من خلفهم المشركون على غرة وهكذا.
وكذلك تستغل في شرح دروس الرياضة والعلوم والنحو ففي النحو مثلاً ترسم كلمة
مربوطة بسلسلة تمثل الكسرة وتقول هي مجرورة بالكسرة لأن قبلها حرف جر
وأخرى ترفعها الضمة وهكذا حتى تصل المعلومة بأيسر أسلوب.
12. التمثيل: فمشهد تمثيلي عن الكذب أوقع في النفس وأسرع إلى الذهن من
الحديث ويمكن ذلك من خلال عمل المشهد أو المسرحية مع الإخوة والأقارب أو
بين الزملاء ممن هم في نفس سنه عن موضوع ما وسيأتي الحديث عن التمثيل
مفصلاً فيما بعد.
13. وسائل الإيضاح: الفيديو والبروجيكتور والسبورة أسرع في الوصول إلى
الذهن.
14. الحركة والألعاب الرياضية والترفيهية عند الشعور بالملل وعدم تركيز
المستمعين أثناء الإلقاء تثير الانتباه وتذهب الملل وتجدد النشاط ثم يكون
العودة للموضوع كما كان.
15. الوعد بالجائزة والمكافأة في نهاية الموضوع: يجعل الطفل متشوقاً إليه
ويريد الحصول عليها فيكون الإنصات مع التركيز.
16. عدم التزام ترتيب معين بين الحاضرين فالثاني يتكلم قبل الأول والرابع
قبل الثالث وهكذا ليظل الكل متنبهاً.
17. الأسئلة المفاجئة تساعد في إثارة الذهن والانتباه.
18. الدعابة والطرائف أثناء الحديث خاصة إن كانت في نفس الموضوع فهي تشوق
للدرس وتثبت المعلومة بشرط العودة للموضوع سريعاً وعدم الاستطراد في الطرفة
وأن تكون صادقة فرسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف معنى قول الله تعالى: "
إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكاراً " أن كل امرأة عجوز ستدخل الجنة وهي
شابة لتتمتع بنعيم الجنة، فكيف يعرفنا ذلك ؟ تأتي إليه امرأة عجوز فتسأله:
هل سأدخل الجنة ؟ فيجيبها بقوله: لن يدخل الجنة عجوز، فتبكي ثم يتلو عليها
الآية فتعلم أنه ما قصد إلا ليوضح لها أنها ستدخل الجنة ولكن ليست عجوزاً،
فهو صلى الله عليه وسلم قد وصّل لها المعلومة بطرفة أثارت انتباهها وانتباه
الصحابة ثم أخبرهم بعد ذلك.
فعندما نريد أن نثير انتباههم ونحن تشرح ما ورد من أن المسلم يأتي صلاة
الجمعة وعليه عفة وسكينة ووقار فيحسن أن نذكر قصة الرجل الذي قرأها أُفة
وسكّينة وفار وأخبر الناس بذلك فأتوا يوم الجمعة وكل منهم معه أُفة وسكّينة
وفار فلما علم بذلك واحد منهم يعلم صحة ما ورد قام وقال لهم: شيخكم رجل
مبارك فليأخذ كل منكم شعرة من لحيته ففعلوا ذلك ولم يعبأوا بصراخ الشيخ
الذي تعلم كيف يقرأ قراءة صحيحة متعقلاً ما ينقله للناس، فهو مثل طريف يوضح
من خلاله كيف يكون الذهاب لصلاة الجمعة.
المراجع د. سعيد مرسي، فن تربية الأولاد في الإسلام، ص 33-37
مع ارق تحيه