تقوم اللغة بدور جوهري في كل جانب تقريبا من جوانب تفاعلنا مع الحياة والعالم حولنا. لذلك من الصعب ان نتخيل كيف يمكن ان يكون عليه الحال اذا لم يكن في استطاعتنا ان نعبر عن آرائنا بكلمات او ان نطرح اسئلة او ان نتحدث عما وقع من احداث؟ ماذا لو لم يكن للاشياء التي نتعامل معها اسماء؟
هل التفكير ممكن دون لغة؟ الاجابة على هذا السؤال تعتمد على ما نعنيه بكلمة تفكير. طبعا بالامكان ان يكون لنا احاسيس ومشاعر وانطباعات دون لغة. والمتخصصون لا يجادلون في ذلك. من الممكن ان نشعر بالألم وان نرى النور دون لغة. ولكن ثمة فرق بين ان نحس بالالم وان نرى النور وبين ان نضع مفاهيم للألم والنور. ومن المعروف ان الفكر يقوم على المفاهيم.
يقول كثير من الفنانين والعلماء انهم لا يستعملون اللغة في اثناء العمليات الداخلية الخاصة التي تجري عندما يبدعون او يعملون، ولكنهم يستعملون الصور الذهنية. تقول المؤلفة تمبل غراندين المصابة بمرض التوحد انها تفكر بصريا وليس بالكلمات. وتقول ان المفاهيم لديها هي مجموعات من الصور الذهنية. فمفهوم "القطة" مثلا مرتبط بصورة كل قطة رأتها كما لو انه كان لديها رزمة من الصور للقطط تعود اليها كلما فكرت بقطة. طبعا هذه المؤلفة تعرف اللغة وتعرف كيف تستعملها ولذلك من الصعب معرفة ان كان تفكيرها متأثرا بما تعرفه من لغة. ومن المحتمل ان من يفتقرون الى اللغة كالصم والبكم يفكرون بالطريقة نفسها التي وصفتها المؤلفة.
من المعروف ان الصم والبكم المنقطعين عن اللغة كلاما واشارة يفكرون بطرق متطورة قبل ان يتعلموا لغة الاشارة. وعندما يتعلمون لغة الاشارة بامكانهم ان يشرحوا كيف كانوا يفكرون قبل ذلك.
ويبدو على كل حال ان بامكاننا ان نفكر دون لغة. ولكننا نعرف ان ثمة الوانا معينة من التفكير ممكنة بفضل اللغة وحدها. فاللغة تمنحنا رموزا صوتية محددة يمكن استعمالها في تثبيت الافكار وتحديدها. وبذلك يمكن ان ندرس هذه الافكار ونوازن بينها ونقيمها ونطورها. وتقدم اللغة لنا امكانية الحديث عن المجرد من الافكار. وهذا غير ممكن دون استعمال اللغة. ويقول الفيلسوف بيتر كاروثرز ان ثمة نوعا من التفكير اللغوي الداخلي يجعل من الممكن نقل الافكار من منطقة اللاشعور الى منطقة العقل الواعي. نعم ان بامكاننا ان نفكر دون لغة، ولكن بطريق اللغة نعرف اننا نفكر.