التحذير من عادة الإفرنج (تربية الكلاب)
خالد بن سعود البليهد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. وبعد:
فإنه مما يؤسف ابتلاء بعض المسلمين هداهم الله بعادة سيئة وهي تربية الكلاب في منازلهم من غير حاجة معتبرة فتراهم يتخذونها في بيوتهم ويخالطونها مخالطة الحيوانات الطاهرة فيمسونها ويقبلونها ويألفونها وتمس متاعهم وفرشهم.
إن تربية الكلاب على هذه الصورة في الأصل عادة قبيحة من عادات الإفرنج وغيرهم من الكفار قد وفدت على المجتمع المسلم في الأزمان المتأخرة مع ضعف الوازع الديني وغياب الثقافة الشرعية وقلة الرقابة.
إن الإفرنج معروفون بقلة الطهارة ومباشرة النجاسات والتساهل الشديد في التطهر من الأحداث الصغرى والكبرى وكل من خالطهم وعاشرهم عرف سوء حالهم. ومن العجب أنهم يعتنون بإكرام الكلاب ورعايتها وإلفها ومحبتها كمحبة البشر أو أكثر في بعض الأحوال وهذا من انتكاس الفطرة ومخالفة الشرائع التي كرمت الإنسان على الحيوان.
إن تربية الكلاب داخل في نصوص التحذير من التشبه بالكفار كقوله صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم). رواه أبوداود. وقد وقع ما خشي منه رسولنا الكريم بقوله: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه. قالنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن). متفق عليه.
إن تربية الكلاب عمل محرم قد حذر منها الشارع بقوله: (من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط). رواه مسلم. وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو ضاريا نقص من عمله كل يوم قيراطان). قال ابن قدامة: (فصل : ولا يجوز اقتناء الكلب إلا كلب الصيد أو كلب ماشية أو حرث).
إن تربية الكلاب سبب عظيم لنقص الثواب وزوال الحسنات الكثيرة من ذمة المسلم وقد ورد أنه ينقص قيراط وقد فسر في حديث اتباع الجنازة بمقدار الجبل العظيم كأحد وورد أنه ينقص قيراطان وقد وجه العلماء هذا الاختلاف بوجوه فقيل إذا كان الكلب مؤذيا نقص قيراطان وإلا فواحد وقيل القيراطان داخل المدينة والقيراط خارجها وقيل أخبر بقيراط ثم زاد من باب التغليظ والحاصل أن اتخاذه لغير رخصة أمر خطير يفوت على المسلم خيرا عظيما فلا ينبغي التهاون به.
إن تربية الكلاب مانع من دخول الملائكة في البيت كما ورد في الصحيحين: (لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة). وامتنع جبريل عليه السلام من دخول بيت النبوة لما دخل جرو تحت سرير النبي فلما علم به أخرجه النبي صلى الله عليه وسلم في الحال. فيحرم المسلم من الملائكة التي تستغفر لأهل البيت وتنزل عليهم السكينة وتنشر بينهم السلام والأمان وتطرد الشياطين وإذا خرجت الملائكة من بيت دخلته الشياطين وغلب على أهله الغفلة.
إن تربية الكلاب واستحسانها تدل على قلة الطهارة ونقص المروءة والمهانة لأن الشارع شدد في تطهير نجاسة الكلب واشترط فيها ما لم يشترطه في سائر النجاسات فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرّات إحداها بالتراب.( متفق عليه. والكلب أنجس من الخنزير على الصحيح من قولي الفقهاء. كما أن تقبيل الكلب ولمسه يعرض الإنسان لأمراض وآفات في الجهاز التنفسي حذر منها الأطباء.
إن الشارع الحكيم أهدر حرمة الكلب وجعله خبيثا ليس له قيمة شرعا ولذلك حرم ثمنه كما في الحديث: (أنه نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن). متفق عليه. وجاء ذكر الكلب في مناسبات متعددة في الكتاب والسنة في معرض الذم مما يشعر بخسة هذا الحيوان ودناءته. فال تعالى: (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ(. وورد في الصحيحين: (العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه). ونهي عن إقعاء كإقعاء الكلب. فأين من يكرمه ويحبه ويوده بعد ذلك. ومع ذلك فقد أمر الشرع بالإحسان إليه لأن في كل كبد رطب أجر وقد غفر للبغي لما سقت الكلب حين أشرف على الهلاك.
وقد رخص الشارع فقط في استعمال الكلب في ثلاثة أحوال حال الصيد ورعي المواشي وحراسة الزرع لأجل الحاجة والمصلحة الراجحة على المفسدة في هذه الأحوال فيبقى ما سواها على أصل المنع. وأما استعماله في حراسة المنزل وكشف المخدرات وغيره من الأغراض الصحيحة فجائز على الصحيح من باب القياس لتحقق العلة. قال النووي: (اختلف في جواز اقتنائه لغير هذه الأمور الثلاثة كحفظ الدور والدروب، والراجح جوازه قياساً على الثلاثة عملاً بالعلة المفهومة من الحديث وهي الحاجة). وهذا قول الشافعية وهو أصح من قول الحنابلة في هذه المسألة. وقد سئل هشام بن عروة عن الكلب يتخذ للدار فقال : (لا بأس به إذا كانت الدار مخوفة). فإذا كانت الدار في طرف البلد أو ليس في البيت رجال أو في حي تكثر فيه السرقة وخشي الخوف والاعتداء حينئذ جاز اتخاذ الكلب للحراسة ولا حرج في ذلك شرعا ولا يدخل في الوعيد ولكن يوضع الكلب في الفناء ولا يدخل به إلى غرف المعاش والنوم.
أما الكلب الأسود الخالص أو الذي في رأسه نقطتان فوق عينيه فلا يحل اتخاذه بحال ولو كان لغرض صحيح لأن الشارع جعله شيطانا وأمر بقتله كما جاء في حديث جابر: (عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان). رواه مسلم. وورد أنه يقطع صلاة المسلم. قال الإمام أحمد بن حنبل: (ما أعلم أحدا رخص في أكل ما قتل الكلب الأسود مِن الصيد).
وكل ذلك يدل على أن الشارع متشوف لتضييق اقتناء الكلاب واستعمالها وعدم التوسع فيها إلا إذا دعت الحاجة لذلك. فلا يليق بالمؤمن الكريم أن يتخذ حيوانا خبيثا نجسا لا قيمة له منقصا للثواب طاردا للملائكة مانعا لأسباب الرحمة اقتداء بالإفرنج أو السفهاء الذين تركوا هدي الإسلام الحكيم. فينبغي للمسلم أن يطهر بيته من الكلاب ويثقف أهله وولده بحكم ذلك ويساهم في إنكار هذه العادة السيئة التي وللأسف صارت في بعض المجتمعات تدل على الرقي والحضارة ومن لم يهتد بالنور الإلهي والشرع الحنيف كان متبعا للهوى والشيطان.
ويجب على تاجر الحيوان أن يمتنع من استقدام الكلاب إلى بلاد المسلمين خاصة الكلاب التي تتخذ عادة للترف واللهو والزينة لأنه والحالة هذه مشارك لهم ومتعاون على الإثم والعدوان. ويحرم عليه بيع الكلاب مطلقا على الصحيح حتى الكلاب المباحة لعموم النهي عن ثمنها وما ورد من الاستثناء لا يصح سنده ولا يعول عليه. وينبغي عليه أن يصرف همته لبيع وإجارة الحيوانات المباحة الخالية من الشبهة وهي كثيرة بحمد الله وفيها كفاية وسعة رزق.