إن من المسائل الكبيرة؛ التي عُني القرآن الكريم ببيانها
وتفصيلها في مواضع منه؛ السنن الكونية، التي وضعها الله عز وجل في كونه
الواسع، فالقرآن عامر بتفصيلها والسعيد من وفق لفقهها وفهمها والعمل على
ضوئها في حياته .
وقد جعل الله عز وجل السنن الكونية جارية في حياة الناس أفراداً ومجتمعات،
والمسلم إذا تدبرها، وتأملها، وعرف قوانينها، ومجاريها؛ استطاع أن يعقل
الواقع الذي يعيشه، والمستقبل الذي ينتظره، فيصبح مهندساً مبدعاً لحياة
فاضلة ، فالسنن لا تتحول، ولا تتبدل قال تعالى : (سُنَّةَ اللَّهِ فِي
الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ
تَبْدِيلاً)
ومن البديهي أن للنتائج أسباباً، ومقدمات . ومن تأمل الأسباب، وأمعن فيها
النظر، من خلال السنن الكونية في الخلق؛ استطاع أن يتلمس النتائج من
ورائها، واستطاع أن يبني ذاته وفق هذه السنن التي فرضها الله من ملكوته
لكونه وخلقه العظيم .ولهذه المسألة يأتي البيان من الله حيث يقول : (قَدْ
خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ
كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) فقد بين أنه كان فيمن قبلكم أمم
أمثالكم؛ فانظروا إلى عواقبهم السيئة, واعلموا أن سبب ذلك ما كان من
تكذيبهم بآيات الله ورسله, وهم الأصل وأنتم الفرع، والعلة الجامعة التكذيب,
والحكم هو الهلاك .
فماهي أهم سمات وخصائص السنن الكونية
؟.................................................
....................................... 1. الربانية:فهي مرتبطة بالله
سبحانه وتعالى خلقاً وإيجاداً وتقديراً، وليس ذلك لأحد من
الناس……........................
2العموم والشمول : فهي تنطبق على الناس جميعا، دون تمييز ودون استثناء,
فالجزاء فيها من جنس العمل، والنتائج بمقدماتها، بغض النظر عن الدين،
والجنس واللون، والأصل، والإيمان، والكفر، فالكل في ميزانها سواء .
3. الثبات . لا تتغير، ولا تتبدل، ولا تتحول، وهي تجري على الآخرين كما جرت
على الأولين ،وهذا يستدل عليه من تاريخ الأمم والحضارات والواقع المشهود،
فكل من جاء بالأسباب وأتى بالموجبات تحققت فيه سنن الله وأحاطت به.
4. الاطراد : فهي متكررة ومتتابعة على نهج واحد وطريقة واحدة لا تختلف ولا
تتخلف؛ كلما وجدت الأسباب، وتوفرت الشروط، وانتفت الموانع
.ثانياً : البناء الذاتي والجماعي محوران لبناء الإنسان
:
فماهو البناء الذاتي وما المقصود به ؟.هو الجهد الذي يبذله الإنسان من
الداخل لإزالة ما بالنفس من تصورات ومفاهيم خاطئة من خلال أعماله
الفردية(البناء الذاتي)،و من خلال تفاعله مع برامج عامة وجماعية لتربية
نفس(بناء الجماعة) فنحن لا نجد آية واحدة تقول يا أيها المسلم أو المؤمن
.وهنا دلالة على أهمية الأعمال الجماعية في التربية الذاتية, فكيف تتم
الممارسة و معالجة الأخطاء و العمل بروح الفريق و التواصي بالخير والحق إلا
إذا وجدت الأعمال الجماعية ,وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك تغيير مجتمعي
خارجي دون البناء الذاتي
..................................................
....................................
نقول السنن الكونية ثم نقول
البناء الذاتي، فما هو وجه
الإرتباط،؟........................................
.........................
لو جاءتك مسألة فيزيائية رياضية مثلاً، فإن أول ما تفكر فيه لحل المسألة هو
القانون................................... !
إذن، إذا أردنا أن نبني ذواتنا(مسألة) فلا بد من أن نستخدم سنن الله في
الكون ( القانون ) ؟!!
مثال : إذا كانت المسألة تتعلق بالقوة، ستستخدم أحد قوانين نيوتن وإذا كانت
المسألة تتعلق ببناء ذاتك، ستستخدم أحد السنن الكونية مثلاً : ( البطء
قانون التغيير ) فليس من العقل أن تغير حال الأمة في ظرف سنة واحدة, فكما
أن الاستخلاف عملية تراكمية لن تحدث فجأة كالنهضة فإن التغيير هو عمل
تراكمي أيضا,لذلك قد نرى أن الأغلب متفق على مركزية قوله تعالى (حتى يغيروا
ما بأنفسهم)كقاعدة أساسية نحو التغيير, لكن الكثير لم يدرك الأبعاد
الحقيقية لهذه الآية ,فالله تعالى لم يقل مافي أنفسهم لأن الباء هنا تفيد
المجاورة والإلصاق وتفيد الظرفية الزمانية والمكانية فالتغيير المقصود قد
يكون داخل النفس أو بجوارها,قد تكون نفسا أخرى أو مجتمعا أو يكون ظرفا تمر
به النفس,فالمعنى الذي يتضمن الآية هو أن تغيير الأوضاع الاجتماعية يتم
بصورة مباشرة وبالتعرض لهذه الأوضاع ومعالجتها وليس عبر التغيير الداخلي
للنفس فقط.
يستعرض الغزالي قصة يوسف
عليه السلام حينما جاءه إخوته بعد أن تقلب يوسف في أطوار الزمن من ضعف وقوة
وحرية ورق، وسجن ومنصب ثم قال يوسف لأخوته هذا القانون الإلهي: {إِنَّهُ
مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين}
ويعقّب قائلا: "وأجر المحسنين هنا بعد التقوى والصبر لم يبرز إلا بعد عشرات
السنين ". إن التصوف الفلسفي البدعي الذي فشا في المسلمين كان من أعظم
العوامل التي أدت إلى ضعف الوعي بإطراد السنن؛ مما أفضى إلى الاستهانة
بالعلوم التجريبية,وإهمال الدنيا وعمارة الأرض والانعزال عن الخلق بحجة
التربية والتزكية من أجل الآخرة، وترك الأخذ بالأسباب وميل الناس ميلا
عظيما إلى الاشتغال بالخوارق والكرامات،لذلك من الضرورة إعادة التفكير في
آيات الله لنتمكن من استنباط سننه تعالى و لإقامة نموذج إسلامي يليق
بالموحدين لرب العزة و يليق بجهده عليه الصلاة و
السلام في تبليغ الدين.